الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يهدف برنامج التحول الوطني بشكل رئيسي إلى تحسين البيئة الاستثمارية وتنويع مصادر الدخل وتعزيز الموقع الاقتصادي للمملكة إقليمياً وعالمياً، يشهد لذلك ما تبع انطلاق البرنامج من مبادرات وخطط تنموية تنسكب في خارطة الطريق الشاملة لتذليل العقبات ومعالجة الصعوبات التي تواجه بيئة الاستثمار.
إذ شملت الحلول عدة محاور أساسية كإعادة هيكلة بعض الأجهزة والمؤسسات العامة وتقييم أداء البرامج والمشاريع التنموية وتطوير الأنظمة القائمة وإلغاء وتعديل النصوص النظامية وإضافة وسن ما تدعو الحاجة إليه، ما يمكّننا من القول بأننا نعيش حقبة استثنائية على صعيد التشريعات والإجراءات المتعلقة بالتجارة والاستثمار ربما تمتد لتشمل 90% من التشريعات المحسنة لأداء المنظومة الاستثمارية والأسواق.
وأشير هنا إلى أن المملكة تستعيض عن مصطلحات (التشريعي والتشريعات والمشرع والسلطة التشريعية) بـ(التنظيمي والأنظمة والمنظم والسلطة التنظيمية) اشتقاقاً من مفردة النظام لا بمعنى الإشراف والرقابة والتنظيم الذي تتولاه الأجهزة والهيئات التنظيمية التي تعد بدورها جزءاً من السلطة التنفيذية.
وانساجاماً مع ما نشهده من تحديث نوعي للأنظمة واللوائح المنظمة للأسواق تتعين الإضاءة بشيء من التفصيل في هذا المقال إلى أهمية التكامل التشريعي بشقيه (التكامل النصي) و(التكامل الاختصاصي) بين الأنظمة والنصوص والقواعد النظامية، وبدرجاته المختلفة بدءاً من التعاميم فالقرارات ثم اللوائح وصولاً إلى الأنظمة، كواحد من أهم الأولويات التشريعية لخلق بيئة جاذبة للاستثمار وازدهار الاقتصاد وتوازن السوق بأنشطته المختلفة، وفيما يلي إيضاح أكثر للمراد بالتكامل في الهيكلة التشريعية وتحديث الأنظمة:
أولاً: (التكامل النصي)، ومعناه أن النصوص النظامية لا بد أن تتكامل فيما بينها لعلاج الحالات المخالفة أو تحسين مستوى أداء السوق، وسواء وردت تلك النصوص في إطار نظام أو واحد أو بين عدة أنظمة، أو لم ترد أصلاً إزاء حالات يكثر وقوعها، إذ إن من أبرز عقبات المستثمرين التي تعترض طريقهم قبل ضخ رؤس الأموال بطمأنينة:
هو انخفاض مؤشر شفافية الأنظمة، وتتمثل أهم عناصره فيما يعرف بـ(الفراغ التشريعي) الذي يشير إلى وجود مشكلات متكررة سكت عنها القانون؛ ما يثير جدالات واجتهادات قضائية وقانونية واسعة تصل لحد التناقض إزاء الحالة الواحدة، وغنيٌ عن القول كم هو الأثر السلبي على بيئة الاستثمار لهذا النوع من الفراغ التشريعي، وهو فراغ تام ٌّبحيث لا يفصح المنظم إطلاقاً عن القاعدة المنظمة لسلوك الأفراد والكيانات التجارية في تلك الحالات.
كما أن هناك نوعاً آخر من الفراغ التشريعي من القليل الحديث عنه وتحليله، ويتمثل فيما إذا ورد نص نظامي يتناول حالة معقدة من الحالات المتكررة في قطاع الأعمال ولكنه يتناولها من وجه واحد لا مكمل له ولا متمم للأوجه الأخرى لا في ذات النظام ولا في لائحته التنفيذية ولا أيضاً في الأنظمة الأخرى.
وغنيٌ عن القول كذلك كم هو الأثر السلبي على استقرار بيئة الاستثمار لهذا النقص في القواعد والنصوص النظامية، إلا أن الأكثر ضرراً والأعمق أثراً في هذا النوع من الفراغ هو ما يتيحه النص النظامي الناقص للمتحايلين من التفافٍ على النص من ناحية، وما يسبغه النص الناقص من مشروعية وهمية على الممارسة المخالِفة من ناحية ثانية، وما يتولد عن ذلك النص الناقص من تقييد للسلطة التقديرية في إيقاع العقوبة المناسبة لحجم السلوك المخالف من ناحية ثالثة.
فلا هو سكت عن المخالَفة وجعل ضبطها متروكاً لتقدير جهة الاختصاص ولا هو عالج المخالفة بكافة احتمالاتها وأوجهها، فهذا الفراغ التشريعي -بنوعيه التام والنسبي- بحاجة سريعة لسد الثغرات والاحتمالات والتناقضات التي يولّدها.
ومعالجة الفراغ التشريعي بنوعيه إما أن تكون بإعادة صياغة النظام متضمناً مواد وعناصر جديدة، وإما بتعديل النصوص القائمة لسد ثغراتها وتكميل نقصها، وإما بإصدار القرارات المتضمنة للقواعد القانونية المنظمة للحالات المسكوت عنها، أو باللوائح التنفيذية الموسعة لنطاق النصوص الناقصة أو المكملة للحالات التي قصر عنها النص النظامي مالم يتضمن هذا الأسلوب تشريعاً جديداً فحالتئذ لا بد من معالجة النقص بالطريقة السابقة (تصحيح النظام بالإضافة والتعديل أو اقتراح أنظمة جديدة بذات الأداة التي صدر بها).
ثانياً: (التكامل الاختصاصي)؛ إذ قد لا تكون الحاجة للتكامل بسبب قصور الأنظمة أو النصوص عن تناول الحالات القائمة والتي تعيق الاستثمار أو تتسبب في عدم استقرار رؤوس الأموال أو جذبها أو تنميتها، وإنما يكمن الخلل هنا في كون الحالة الواحدة تعالجها عدة نصوص في أنظمة مختلفة، وهو ما ينشأ عنه دائماً “تنازع الاختصاص” أي أن كل جهة تحاول انتزاع اختصاص معالجة تلك الحالة من واقع النص الذي تضمنه النظام المختصة بتطبيق أحكامه، أو “تدافع الاختصاص” أي أن كل جهة تنأى بنفسها عن معالجة تلك الحالة بحجة أن النظام الآخر الذي تتولى تطبيقه جهة أخرى تناول الحالة بشكل أوضح أو أقرب، ومن الملاحظ أنه عادة ما يكون التنازع في الجانب الموضوعي، والتدافع في الجانب الإجرائي.
ولكن –وبالرغم من ذلك- تكمن الثغرة الخطيرة بشأن “تدافع الاختصاص” فيما إذا وقع في الجانب الموضوعي المتعلق بالرقابة وإنفاذ العقوبة إذ يبقى السوق من غير رقابة حين تنأى كل جهة بنفسها عن القيام بدورها بحجة أن نظامها لم يتناول تلك الحالة بشكلها التام أو بصورتها الكاملة، ولا يقل عنه ضرراً في المقابل “تنازع الاختصاص” حين تنقضُّ كل جهة -بلا تنسيق ولا تكامل بين الجهات- على المنشأة التجارية لتعاقبها إنفاذاً لنص نظامي تطرق لتلك الحالة التي ارتكبتها المنشأة في حين أن ذات السلوك الذي ارتكبته المنشأة بذات الصورة وذات الأثر وذات التكييف قد انطبق عليه أكثر من نص في أكثر من نظام تختص بتطبيق كل نظام جهةٌ مستقلة عن الأخرى ولا تلتقي كلٌ منها مع الأخرى لا في الإشراف ولا في الرقابة ولا في إقرار العقوبة ولا في تنفيذها.
وهكذا نعلم أن التكامل بين النصوص والأنظمة والاختصاصات ضرورة ملحّة لاستقرار بيئة الاستثمار وضمانة أساسية لجودة أداء المنظومة التجارية وعاملاً مهماً لجذب الاستثمارات وتنمية القطاعات المنتجة وتطويرها وتنويع مصادر الدخل وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال