الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كتبت في مقال سابق – أوهام قانونية – عن الاستشارات القانونية المجانية التي يقدمها بعض المحامين. هذه “المبادرة” التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، تحظى باستحسان من أبناء المهنة وحتى أولئك الذين لا ينتمون إليها. ورغم ذلك هنالك من يستنكر قيام المحامي أو القانوني بتقديم خدمات قانونية مجانية لأسباب عديدة. إلا أن هذا الاعتراض أثار استياء البعض لكونه -من وجهة نظر معينة- يتنافى مع طبيعة المهنة ونبلها ورسالتها.
وما قد أضيفه في هذا المقال هو: اتجاه بعض المحامين لتقديم خدمات قانونية شاملة وليس استشارات فقط، واستنكارهم على من لا يفعل ذلك مثلهم. وهذا يتضح جليًا من خلال حساباتهم والتي يعلنون فيها عن استقبالهم لحالات تحتاج -وقد لا تحتاج- خدمات قانونية بلا أي مقابل مادي. كل ذلك يُبرر بأن المحاماة مهنة نبيلة ومن الطبيعي أن يُسَخِر المحامي وقته ومجهوده لخدمة المجتمع.
ولكن لا نعلم إذا كانت سمة النبل هذه تلتصق بالمحاماة دون بقية المهن أم تشترك معها. فأيًا كانت إجابة التساؤل، نستطيع أن نجزم بأنه كما أن للمحامي تميُز بتقديم خدمات جليلة وإنسانية للمجتمع، فكذلك الصيدلي والطبيب وحارس العمارة وعسكري المرور وعامل النظافة، كل هؤلاء يقدمون خدمة لا يَقْدِر المجتمع على الاستغناء عنها ليومٍ واحد، ورغم ذلك لم يمتعض أحد من تقديمهم هذه الخدمات بمقابل مادي ولا يمكن تصور غير ذلك. والمثير للاهتمام أننا نلاحظ أن هنالك خلط واضح بين الثقافة القانونية وبين الاستشارة القانونية.
والغريب في الأمر أن هذا الخلط موجود لدى المحامين أيضًا. ورغم أن الأمر بسيط جدًا والفرق بينهما واضح جدًا، إلا أن الخلط بينهما موجود ويزداد يومًا بعد آخر. ولا أعرف كيف سيكون حال المهنة وبقية الزملاء إذا اتجه عدد كبير للقيام بأعمال تعتبر جزء أساسي من نشاط المحامي بشكل مجاني؟ وفي حال تغافلنا عن التساؤل السابق؛ فكيف نستطيع أن نتأكد فيما إذا كانت الاستشارة المجانية تحظى بجودة كالتي تحظى بها الاستشارة المدفوعة؟
وكيف يمكن أن نعرف إذا كان متلقي هذه الخدمة المجانية يستحقها أم لا؟ ومن سيشرف على جودة هذا العمل؟ وهل من المقبول أن مهنة المحاماة التي تعتبرها المجتمعات الأخرى قطاع اقتصادي وواحدة من أهم روافد الدخل القومي تحولت لدينا لجمعية خيرية وعمل تطوعي؟ أم أن كل ذلك ترويج غير مباشر لاسم المحامي ولا علاقة له بالمباديء والأخلاقيات المحمودة؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال