الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعتبر الثقافة أحد الركائز الأساسية في إدارة العديد من المجالات كالاستراتيجية والابتكار والمخاطر، وتعرف ثقافة المخاطر بأنها مجموع التصورات والمواقف والسلوكيات المؤسسية تجاه المخاطر ويمكن ملاحظة الاختلافات الثقافية بين المؤسسات عن طريق مؤشرات بسيطة ودقيقة، فهنالك مثلا مؤسسة تقوم بطلب التصاريح قبل السماح للزوار بالدخول بينما تسمح أخرى لهم بالدخول بحرية، وقد تحتوي مؤسسة على سياسات وإجراءات مكتوبة ومفصلة وثانية قد تقوم بشرحها شفهيا لموظفيها، ويجب التأكيد على أن جميع الاختلافات التي تم ذكرها لا تعد صحيحة أو خاطئة بل تستند على طبيعة نشاط المؤسسة وحجمها ودرجة إقبالها على المخاطر والضوابط الرقابية المفروضة عليها.
هنالك مقولة شهيرة للكاتب بيتر دراكر، “الثقافة تأكل الاستراتيجية على الإفطار” ومعناها باختصار أنه في حال عدم توفر الثقافة المناسبة لتطبيق الاستراتيجية فإن كل الخطط ليس لها قيمة. قد لا تنطبق هذه المقولة على جميع الحالات ولكنها توضح أهمية الثقافة عموما، و أعتقد أنها تنطبق أيضا على إدارة المخاطر فبدون الثقافة لن يتم الاستفادة من خطط تخفيف المخاطر ، على سبيل المثال، كان رئيس إدارة المخاطر في بنك “ليمان براذرز”، قبل أن يعلن إفلاسه خلال الأزمة المالية عام 2008، معارضا لرغبة البنك المفرطة في الإقدام على المخاطر والاستراتيجيات التي أعدها للنمو، ومع ذلك، فقد تم الاستغناء عنه ومنحت مهامه لشخص آخر لذلك يجب على ثقافة المخاطر أن تدعم الإدراك الموحد للسلوك الملائم في التعامل مع المخاطر ولبناء ثقافة فعالة لابد من توفر العوامل التالية:
*الموظفين: توظيف من لديهم ميول مشابهه للمؤسسة في الإقبال على المخاطر، وقد تكون أدوات التقييم السلوكي وتحليل الشخصيات مفيدة في هذا الصدد.
*الوعي: إدراك الموظفين للمخاطر التي تشملها أعمالهم ومعرفة المبادئ الأساسية لإدارة المخاطر، ولبرامج التوعية دور هام في تحسين هذا العامل خصوصا إذا كانت على المستوى المؤسسي.
*الشفافية: مناقشة المخاطر بحرية وصراحة سواء في الاجتماعات الرسمية أو غيرها.
*المساءلة: تحميل الموظفين مسؤولية قراراتهم بشكل صريح و واضح.
*المكافآت: الحرص على مكافأة السلوك المرغوب في اتخاذ القرارات وعدم التركيز حصراً على النتائج لأن بعض القرارات قد تتضمن مخاطر عالية لا تستطيع المؤسسة تحملها في حال وقوعها ومع ذلك تحقق نتائج إيجابية.
*الاستناد على البيانات: تبنى القرارات في المؤسسة بشكل رئيسي على بيانات ومبررات واضحة.
*المشاركة: يجب على الإدارة العليا ومجلس الإدارة تخصيص الوقت الكافي للمشاركة في عملية إدارة المخاطر، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء لجان تضع إدارة المخاطر كأحد أولوياتها.
الثقافة قائمة على وجود البشر فلولاهم لما كان هنالك حاجة للثقافة ولذلك يجب التركيز على العنصر البشري خلال تصميم أنظمة الرقابة الداخلية، والتي تشمل الوسائل والإجراءات المتبعة لحماية الأصول والحد من أثر أو احتمالية وقوع الحوادث والأخطاء، نظرا لصعوبة (أو استحالة) تعزيزها إلى أجل غير مسمى حيث أن صرامتها المفرطة قد تؤدي الى إعاقة الأنشطة التشغيلية وزيادة التكاليف وضياع الفرص. فضلا على ذلك، مهما كانت تلك الأنظمة صارمة يمكن للموظفين غالبا التحايل عليها لتحقيق منافع شخصية، لذلك فمن الأولى توظيف من لديهم أخلاقيات مهنية عالية، فوفقاً لاستبيان أورده معهد إدارة المخاطر (IRM) والذي شمل ٥۰۰ موظف في القطاع المصرفي الأمريكي والبريطاني وتبين من خلاله أن 45٪ من الموظفين لديهم استعداد لتداول أسهم في الشركات التي يعملون بها بناء على معلومات داخلية إذا كان بمقدورهم كسب 10ملايين دولار من دون أن يتم كشفهم.
وختاما من الأخطاء الجوهرية التي قد ترتكبها بعض المؤسسات هو القيام باستنساخ ثقافات مؤسسات أخرى لأن هذا غالبا ما يتسبب بإخلال إجراءاتها فلا تعود تتواكب مع مجالها ونشاطها، فمثلا ثقافة المخاطر في القطاع المصرفي قد تتسم بالتحفظ نظرا لطبيعة القطاع والضوابط الرقابية المفروضة عليه وحساسيته الاقتصادية، فإذا ما تم استنساخ هذه الثقافة في شركة ناشئة فإنها غالبا ستواجه مشاكل عديدة في سير عملياتها وستفقد المرونة التي تحتاجها للنمو، لذلك يجب تعزيز ثقافة المخاطر التي تتماشى وتدعم المؤسسة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال