الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كنا نقول في السابق بأنه لا أمل للدول االعربية في العبور إلى بيئات تطبّق الحوكمة الرشيدة؟ وكنا نتسائل: “هل لأن ثقافة تقبّل الفساد فيها هي ثقافة تتطوّر ببطء؟!” واليوم الدولة السعودية تقلب الطاولة على الفساد والمفسدين بل وعلى الفكر النمطي في حوكمة القطاع العام لتتفوق على نفسها في الشفافية والعدالة والمحاسبة والرقابة بل وتعدت ذلك لتصدر للعالم نموذجاً فريداً مميزاً في الإدارة الرشيدة وحوكمة الدول ومكافحة الفساد من الداخل بأثر رجعي! وما حدث في ليلة القبض على الفساد دلالة قوية على ثقافه عدالة قوية تتساوى فيها الرؤوس ولا أحد فوق مصلحة الدولة.
تحدثت سابقاً كثيراً عن الفساد وأثاره في تدمير مفاصل الدولة والمحسوبية والشللية وخيوط العنكبوت التي سيطرت على الوزارات سابقاً والحقيقة فالفساد ظاهرة عالمية خطيرة ترجع إلى أسباب عدة منها ضعف الوازع الديني والمحسوبيات والشللية وبيع الذمم، وهي ليست منتج عربي ولا حكراً علينا، وهذه الظاهرة منها ماهوّ اقتصادي، ومنها ماهو اجتماعي أو سياسي، والفساد له تأثيرات في مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية فهو يتسبب في زيادة معدل البطالة، وتدني كفاءة الاستثمار العام، والتأثير السلبي على القيم الأخلاقية للمجتمع، وزيادة معدل الفقر، وتعطيل خطط وبرامج التنمية، وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية، وتدني مستوى الخدمات، وعدم توازن التنمية للمناطق، وإضعاف تدفق الاستثمارات الأجنبية .
وانطلاقاً من وعي المملكة وخطتها الإصلاحية لتأثير الفساد اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً على أي مجتمع، فقد تحركت بحزم وقوة لمكافحته والتصدي له باتخاذ الكثير من الاجراءات النظامية مما يعطي مصداقية وفعالية لجهود الملك وحكومته في تجفيف أي منبع للفساد ومسبباته، ولا يستبعد بعد اليوم أن يتم إحالة رموز اجتماعية أو رسمية، بعد إقالتها للتحقيق والمحاكمة، وهذا امر مهم جدير بالإهتمام ويتناغم مع قرار الملك ورغبته المعلنة في محاربة أي فساد بالدولة، ففي دراسة سابقه لمنتدى الرياض الاقتصادي، ذكرت فيها أن درجات انتشار الفساد المالي والإداري تتمحور حول الواسطة بنسبة 92.1%، و80.8%، في إساءة استخدام النفوذ، كما أن أهم أسباب انتشار الفساد يعود إلى ضعف الوازع الديني بنسبة 87.8%.
ومن المؤكد أن الأمر الملكي بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد وتتبع الفاسدين سيعزز من النزاهة والشفافية وسرعة القرار وخطط الإصلاح، إذ إن القيادة حريصة على حماية المال العام واجتثاث الفساد، ومن المؤكد ان مكافحة الفساد تجعل المصلحة العامة هي أساس العمل، وتلغي استغلال السلطة والنفوذ من اجل مصالح شخصية ومحسوبيات، كما تكشف جوانب التقصير في العمل وعدم المحافظة على المال العام بتبديده أو اختلاسه، وتعالج ذلك من خلال تطبيق الأنظمة بحزمٍ وصرامة، بالإضافة إلى أنها تُعطي الفرصة للاستثمار الأمثل للموارد المتاحة بأفضل المواصفات وأقلّ التكاليف، كما تُرسي الثقة في الاستثمار داخل المملكة وتُعزز فرص النمو الاقتصادي، وتقضي على المبالغة في تكاليف المشاريع فوق ما تستحق، وتتيح المجال لاستكمال مشاريع الدولة القائمة والمستجدة لخدمة الوطن والمواطن في وقت قصير وكفاءة عالية، وتحول البيئة المحلية إلى بيئة إستثمارية حيوية جاذبة، ومع الحد من عوامل الفساد والمحسوبية، فإن ذلك يساهم في إبراز الكفاءات من الأفراد والشركات لتنفيذ مشاريع الدولة، ويدعم ثقة المجتمع بالدولة وبأنظمتها ويرفع معايير الجودة في العمل والإنتاج.
إن مكافحة الفساد تعيد صياغة منظومة العمل وهيكلتها في الجودة والإتقان والكفاءة، ما يساعد في القضاء على الإحباط ومعالجة تدني الشعور بالمسؤولية، وذلك بالعمل على إظهار الفاسدين والتشهير بهم وإزالتهم كأحد أهم القوى السلبية فتسلب منهم الاحترام وتجعل منهم نموذجاً منبوذاً في المجتمع، وبذلك تساعد على إعادة التوازن لمنظومة المجتمع الأخلاقية بتعزيز قيم النزاهة والعدالة، وتخفّض مؤشر الفساد العام وترفع سقف النزاهة والصدق في البيانات والمعلومات.
الحكومة أصبحت مرنة باتجاه تطبيق رؤيتها 2030 من أجل خدمة الوطن والمواطن مما يؤدي للثبات، ومن هنا كان على الدولة التحرك في جوانب عدة لكشف جوانب التقصير في العمل وعدم المحافظة على المال العام بتبديده أو اختلاسه، ومعالجة ذلك من خلال تطبيق الأنظمة بحزمٍ وصرامة. الحقيقة أن الحوكمة، وإن كانت تحتاج حقاً إلى قوانين وأنظمة وتشريعات، لكن كل تلك الوسائل لن تجدي نفعاً إن لم تكن هناك حوكمة لفكر الإنسان السعودي وضمير الموظف، وحكم رشيد للذمم القيادية و”إصلاح إداري” صادق في توجهات الدولة لتصحيح مسار الإدارة العامة المنحرف وهذا ما سيحدث من خلال التجربة السعودية الفريدة.
من المؤكد أن تفعيل اللجان الرقابية، والسير جنباً إلى جنب مع الهيئة العليا الجديدة لمكافحة الفساد وحصر الأشخاص والكيانات ذات العلاقة بالفساد، من شأنه أن يتيح المجال لاستكمال مشاريع الدولة القائمة والمستجدة لخدمة الوطن والمواطن في وقت قصير وكفاءة عالية، كذلك تساهم في إبراز الكفاءات من الأفراد والشركات لتنفيذ مشاريع الدولة بعيداً عن المحسوبية، وتدعم ثقة المجتمع بالدولة وبأنظمتها وترفع معايير الجودة في العمل والإنتاج، كما ان جهود الدولة في تقديم كل من يتورط في قضايا فساد إلى المحاكمة، كما تسعى اللجان الرقابية في الدولة إلى شل حركة المرتشين والعابثين بالمشاريع من تحت الطاولة على حساب ميزانية الدولة من دون وجه حق.
إنتهى زمن المحسوبيات وتعيين الأقارب والواسطات التي أصبحت من مستلزمات الكشخة في المجتمع، فهذه نهاية عصر فاشينستا الإدارة وموديلات النزاهة وتجار مكافحة الفساد، وما أكثرهم! وأخيراً وكما قال عباس محمود العقاد “فالأمة التي تُحسن أن تجهر بالحق وتجترئ على الباطل تمتنع فيها أسباب الفساد”، وما حدث يعد من أقوى دروس القيادة الرشيدة والحوكمة في إدارة الدول، وسيفتح الكثير من الملفات التي أثرت سلباً على التنمية، شكراً لدولة تصنع التغيير بقوة والمستقبل والأمان لأبنائنا والجيل القادم في ظل العدالة والشفافية وقوة كلمة الحق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال