الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في القطاع الخاص هناك مصطلحين، الأول “العمالة الفائضة” والذي يقصد به الموظفين الذي ترغب الشركة بتسريحهم والاستغناء عن خدماتهم. والمصطلح الأخر “الشيك الذهبي” وهو المبلغ المالي الذي تعرضه الشركة اضافة الى مكافأة نهاية الخدمة لأغراء الموظف بترك العمل طوعيا. وأن كانت معظم الشركات تتفق على مفهوم العمالة الفائضة وضرورة التعامل معه، الا أنها لا تتفق على مبدأ عرض أي ميزه اضافية للتخلص من فائض الموظفين بطريقة محترمة وأسلوب حضاري. فبعض الشركات وخلال العامين الماضيين استغلت ما تم وصفة بثغرات البند (77) من نظام العمل وقامت بعمليات تسريح جماعي وفصل تعسفي لموظفيها ليصبح بذلك التسريح الجماعي مشكلة مجتمع وقضية رأي عام.
المؤشرات تقول لنا بأن تسريح الموظفين بالشركات واقع موجود وسيبقى. فالشركات مضطرة للاستجابة والتعامل مع متغيرات وتطورات سوق المنافسة لتبقى وتستمر بالنمو وتحقق الارباح. وليس بالضرورة أن يكون سبب تسريح الموظفين فقط لتقليص عددهم أو لتخفيف الاعباء المالية، فقد يكون السبب استبدال اليد العاملة بالتقنية، أو إعادة هيكلة الشركة، أو حتى استبدال الموظفين بموظفين اخرين تتناسب مؤهلاتهم ومهاراتهم مع المرحلة.
واقع الموظف الذين يقع ضمن الفئة المستهدفة بالتسريح واقع مؤلم، خصوصا لمن قضى عمر طويل في الشركة وساهم بنجاحاتها وتطورها. فبمجرد وصول اي إشارة له توحي بأن الشركة ترغب في الاستغناء عن خدماته، يفقد الثقة بنفسه مباشرة ويدخل في مراحل من التشتت الذهني وإنكار الواقع. فالمخاوف النفسية مثل التصنيف بالعاطل، والتفريط بفرصة الأمان الوظيفي، والتنازل عن الدخل المالي المضمون وعدم القدرة على تسديد الالتزامات والقروض المالية الحالية، لا تفقد الشخص ثقته بنفسه فقط، بل قد تصيبه بالإحباط اذا استسلم لها.
تقع على الشركات مسئولية كبيرة في الوقت الحالي خصوصا أن رؤية 2030 تحمل مبادرات يساهم القطاع الخاص بشكل كبير في تحقيق اهدافها. منها الوصول بمساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي إلى 65%، تخفيض معدل البطالة إلى 7%، ارتفاع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي إلى 35%. فكيف ستتعامل الشركات مع معضلة ضرورة تسريح بعض الموظفين وضرورة مساهمتها في مبادرات رؤية المملكة؟ وهل يمكن تحويل قضية تسريح الموظفين السلبية على المجتمع إلى فرصة تجارية واعدة تخدم اقتصاد البلد؟
في عام 2015م وقبل إطلاق رؤية المملكة، اعتذر وبلطف مسؤول رفيع بإحدى الشركات الوطنية العملاقة عن تطبيق مبادرة ارسلتها كتقدير ووفاء للشركة ولمنسوبيها، بعد أن لاحظت بأن غالب الموظفين المغادرين اكتسبوا المعرفة والمهارة في كيفية أداء العمل داخل الشركة وادارة العمليات وبأقصر الطرق لإنجاز المشاريع، هم كذلك من يساهم بوضع المواصفات والاشتراطات الأساسية للموردين، وهم من يقوموا بعمليات المتابعة والتقييم، ومن يقوموا بإدارة الخدمات المساندة، وتنظيم الأحداث والمناسبات. والشركات من الجهة الاخرى تتوفر لديها ميزانيات وبنود مالية ومميزات مخصصة لتسريح الفائض لديها من الموظفين، فلماذا لا تكون الفرصة التجارية الواعدة موجودة؟ وجود موارد مالية وخبرات مهنية ومهارات عملية هي العناصر الرئيسية لنجاح الاعمال التجارية، فقط تحتاج لمن يراها عنصرا واحد وفرصة تجارية، بدلا من ان يراها عناصر منفصلة وغير مترابطة ومشكلة ادارية.
فشركات القطاع الخاص الكبرى تستطيع المساهمة في إجمالي الناتج المحلي بنسبة أعلى، وتخفيض معدل البطالة، ودعم ارتفاع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من خلال الموظفين المستهدفين للتسريح. فهم سيكونون أفضل الشركاء والموردين للشركات نفسها في حالة توجيه الميزانيات المرصودة لديها لتسريحهم، لخلق فرص عمل جديدة لهم وتحفيزهم على إنشاء اعمالهم التجارية الخاصة من أعمال متناهية الصغر أو مصانع إنتاج مجهزة، الى شركات صغيرة أو متوسطة. وفي حال كانت الأعمال التجارية متخصصة بتقديم خدمات أو منتجات ذات أهمية للشركة نفسها، فيمكن تصنيفها كمورد تجريبي معتمد، ومنحها عقد محدد أو مؤقت كمزود خدمات أو منتجات للشركة ووضعها امام تحدي للنجاح بتوفيرمعايير جودة أعلى وتقديم اسعار تنافسية أقل.
خطوة كهذه من الشركات، تساهم بتحقيق مبادرات رؤية المملكة، وتحقيقأهداف الشركات بتقليص حجم الموظفين، وترفع معايير الجودة لمورديها وتخفض مصاريفها من المشتريات. وعلى نفس المسار يتحول تسريح الموظفين من معضلة للشركات وقضية رأي عام الى مبادرة متميزة ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية للشركة، وكل ذلك، دون أن تتحمل الشركة أي هللة أضافيه عن الميزانيات المرصودة والمتوفرة لتسريح الموظفين.
“موظفينا السابقين، هم شركائنا الحاليين” كانت مبادرة وتطورت الى برنامج يعطي الفرصة للشركات لرد الجميل لمن ساهم بنجاحاتها وعمل بها لسنوات طويلة، ومبادرة وفاء تساهم بخدمة اقتصاد الوطن، وتحقيق اهدافها بتسريح جميع الفائض من موظفيها. وان كان البرنامج يبدو أصعب من حقيقة سهولة التنفيذ، فاعتبروني من “الحالمين”، الذين لديهم يقين تام بأنه متى ما وجدت الإدارة المخلصة، والإرادة الوفية، وجدت القرارات السليمة والنتائج الصحيحة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال