الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“اكتبي في القانون والثقافة العامة بدلًا من كسب عدم رضى الزملاء والزميلات” كانت هذه العبارة إحدى التعليقات التي وردتني على مقالي السابق (المحامون بين العصابة والعصبة “2”).
ولأن علاقة الزملاء ببعضهم وكسب الاحترام فيما بينهم أمرٌ مهم؛ توقفت كثيرًا عند تلك النصيحة التي تفضل عليّ بها أحد الأساتذة الكبار الذين أجلهم واحترمهم، مما جعلني أفكر في احتمالية التوتر الذي قد يحصل في العلاقات بين أبناء المهنة الواحدة بسبب تدوين أو كتابة آراء قد تثير الغضب وعدم الرضى. وربطت تلك النصيحة بالتساؤل الذي ختمت به مقالي الأخير، والذي كان عن ميثاق شرف المهنة.
ميثاق الشرف المهني؛ هذا المسمى الذي من الوارد أنه غير مألوف بالنسبة لكثيرٍ منّا. باختصار شديد، هو: قواعد ومباديء تنظم علاقة المحامي بالعملاء وبزملائه وبالمجتمع وبالجهات التي من المحتمل أن يتعامل معها، وعادة يكون هذا الميثاق صادر من الجهة التي تمنح الترخيص للمحامي. بمعنى أن ترخيص مزاولة المهنة لا يُمنح للمحامي إلا إذا أقرّ على هذا الميثاق ووعد بالالتزام به، وفي حال مخالفته يتعرض لسحب الترخيص ومنعه من ممارسة المهنة.
من المعروف أن مهنة المحاماة تتطلب من مُمَارِسها صفات معينة قد لا تكون مطلوبة في مهن أخرى بنفس القدر، إلا أن هذه الإمكانيات لا تكفي حتى يصبح المحامي نزيهًا ومتميزًا في مهنته وأيضًا حتى ينال الثقة والاحترام، فلابد من أن يكون هنالك مرجع أخلاقي مفروض ومُلْزِم لكل من اختار أن يمارس هذه المهنة. ومن وجهة نظر كثيرٍ من المهتمين بالأمر؛ فإن مهنة المحاماة بالتحديد تتطلب ميثاق شرف مهني أكثر صرامة من مواثيق الشرف في المهن الأخرى.
بالنسبة للوضع في السعودية فلا يخفى على أحد أن المهنة لدينا شهدت تطورات -وخصوصًا في المرحلة الحالية- لم يسبق لها مثيل من حيث نتائجها وسرعة تنفيذها. ومن خلال استقراء هذه التطورات، وتلك التي يمكن التنبؤ بحصولها فيما بعد، نستطيع أن نقول بأن مواكبة مهنتنا للمجتمعات المتقدمة في مجالي القانون والقضاء باتت قريبة وواضحة. ولكن لا نعلم فيما إذا كانت خطوة استحداث ميثاقٍ للشرف ستكون جزءًا من التطورات التي نتوقع حدوثها. ولكن ما نستطيع أن نقوله بدرجة من الثقة هو أن هنالك فجوة في مهنتنا وفي علاقة المحامي بالآخرين بسبب غياب ميثاق الشرف ولا مجال لحجبها إلا باستحداثه.
وبغض النظر عن الشعارات والهتافات التي يرددها كثيرٌ منّا والتي لا نشعر بأنها قريبة من الواقع بقدر ماهي قريبة لفرضية النظر للجزء الممتليء من الكأس حتى ولو كان هذا الكأس مكسورًا أو فارغًا، فلا اعتقد أن هنالك من يستطيع أن ينكر وجود مظاهر سلبية في مجتمع المهنة كالصراعات الخفية منها والظاهرة، وفوضى بعض المكاتب، وعدم جدية الالتزام الأخلاقي تجاه المتدربين، وعشوائية التنظيم، والجهل الواضح بقواعد العمل المهنية وآداب الزمالة، والمبالغة في الأتعاب وغيرها من المظاهر الموجودة والتي لا يمكن سترها بأي ذريعة.
لذا، حين أعود إلى نصيحة الأستاذ؛ وجدت نفسي اتساءل إذا كان هذا الأمر سيتغير وقعه فيما لو كان هنالك ميثاق شرف، وإذا كنت ساكترث أم لا بمشاعر الزملاء تجاهي ومواقفهم بسبب ما أكتبه. هذا التساؤل البسيط جدًا، لم يكن أمرًا مستنكرًا وغريبًا نظرًا لإدراكنا بأن ميثاق الشرف غائبٌ غيابًا تامًا.
وحول ما إذا كنّا سنشهد وجود ميثاق الشرف قريبًا؛ فلا اعتقد أن أيًا منّا يملك إجابة لهذا التساؤل، خصوصًا وأن موافقة ورضى المحامين -وإن لم تكن مهمة- على مضمون الميثاق وصياغته أمرًا مستبعدًا، ويعي تلك الحقيقة جيدًا من تعامل مع معشر المحامين والوسط القانوني.
ولكن ربما يملك أحدنا إجابة التساؤل السابق في حال عَرِفنا أولًا من الجهة التي ستصوغ هذا الميثاق وسيقر المحامي به أمامها، هل هي وزارة العدل أم هيئة المحامين أم لجنة المحامين، أم جهة أخرى لا نعرفها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال