الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما وقع يوم السبت 2017/11/4 زلزال ضخم هز العالم وليس المملكة العربية السعودية فقط ، يوم لم يكن ينتظره أكثر المتفائلين بمحارب ةالفساد . أما وقد وقعت القنبلة النووية على الفساد والتي لم نكن نحلم بوقوعها مع ايماننا بأن من تم ايقافهم ابرياء حتى تثبت الادانة، فمن حقنا أن نرفع سقف أحلامنا لنبلغ به منتهى الأماني بالقضاء على الفساد تماما.
فخلال أربعين عاما والفساد يستشري كسرطان شرس في جسد الحكومة حتى سيطر على مفاصل كثيرة فيها ولم يترك مكانا إلا وزرع له فيه مركزا حسب أهمية وقوة ذلك المكان ، وكوّن حكومته التي تسيّر الأمور بما يهوى ويخدم الفاسدين .
لن يتم القضاء على الفساد بالقبض على عدد من كبار الفاسدين مهما بلغت مكانتهم وقوتهم وتأثيرهم ، فبذور الفساد في أعماق الحكومة ستنبت يوما ما بدلا من أولئك الذين تم إزالتهم . ومالم يتم نزع تلك البذور من أعماق الأرض فسوف يعود الفساد كما كان وأشد، عاجلا أم أجلا .
الأنظمة المطاطية التي يمكن توسيعها وتضييقها حسب الحاجة بذرة من أخطر البذور التي تغذي الفساد وتمده بكل ما يريد من الوسائل للعمل في أمان بعيدا عن المسآءلة . وضعف الجهات الرقابية بما فيها هيئة مكافحة الفساد ، كونها لا تملك حق رفع الدعاوى على الفاسدين وخصوصا الكبار منهم . وعدم وجود نظام واضح يجرّم الفساد ويُمكن بواسطته لأي مواطن محاكمة أي مسؤول كائنا من كان فعلا دون أن يخاف من تعرضه للأذى . كل ما سبق سهل على الفاسدين النجاة بأفعالهم دون محاسبة .
ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتحديدا مجلس الشورى وعدم قدرته على محاسبة أي مسؤول فعليا ، والمناقشات التي تتم تحت قبته لا أثر لها على عمل الحكومة مطلقا ، وتحديدا حق محاسبة المسؤول الذي يعتقد المجلس أنه أخل بواجبات عمله . ومالم يتم تفعيل دوره ودور مؤسسات المجتمع المدني وإعطاءها حق المسألة والمحاسبة فإن عودة الفساد للحكومة أسهل من كتابة هذه الأسطر .
سيطرة فئة من المجتمع على قطاعات معينة وصعوبة إختراقها من غيرهم ، وسيطرة قوى الفساد على مفاصل معينة في الحكومة من خلال أشخاص محسوبين عليهم إما بقرابة أو منطقة أو أي علاقة كانت ، كل ذلك سهل حركة الفساد في مختلف مناطق المصالح داخل الحكومة بعيدا عن الرقابة .
وما تكشف من توظيف أبناء مسؤولين فيإدارات مسؤولين أخرين إلا مثال بسيط جدا على حجم الفساد تحت هذه البذرة من بذور الفساد . وتحت هذه البذرة بذور فساد كثيرة مثل الشركات العائلية التي تعمل مع إدارات مسؤوليها ، كشركة الإبن والأخ وابن العم . وبقاء قوى معينة مسيطرة على الحكومة يجعل من عودة الفساد أمرا مؤكدا . وتفتيت القوى المتضادة في الحكومة وداخل المؤسسة الواحدة من أهم وسائل الرقابة التي يجب إعتمادها.
بقاء المسؤول في منصب مهم وحساس لفترات طويلة تمكنه من السيطرة على ذلك المكان ورسم حركته بكل جوانبه بما يتوافق مع مصالحه وبما يحميه من المسآءلة . ومالم يتم تحديد مدة بقاء المسؤول في منصبه فستكون هذا البذرة منبعا للفساد . ويتبعها عدم جرد أعمال كل مسؤول بعد إنتهاء مدة عمله ، ومحاسبته على المشاريع التي تعاني من مشاكل من أي نوع حتى يثبت براءته من شبة الفساد فيها .
أخيرا حماية المسؤولين من نقد الإعلام ، وإعطائهم الحق في منعه من تتبع الأعمال داخل مؤسساتهم ، بما يسمح لأي مسؤول من إخفاء ما تعانيه مؤسسته من مشاكل وتأخير كشفها . وهذه البذرة وإن إستطاع الإعلام الحديث تجاوزها إلا أن النقد المسؤول من الإعلام التقليدي له أثر أقوي . كما أن في الإعلام بذرة فاسدة مارست وتمارس التظليل لمصالح خاصة وتقوم بدور (تلميع) بعض الفاسدين وأعمالهم ، وما حدث في ٢٠٠٦ من تظليل للمجتمع قبل وأثناء إنهيار سوق الأسهم من أكبر الشواهد على أثر تلك البذرة في تشويه الحقائق لمصالح الفساد .
نزع بذور الفساد من أعماق الحكومة ليس بالسهل لكنه ليس بصعوبة ما حدث يوم 11/4 ، وما لم يتم ذلك الأمر فلن نأمن عودة الفساد كما كان وأشد بأسرع مما نتوقع . ما ننتظره من عودة بعض ما نهبه الفساد في الماضي ليس بأهمية حماية مقدرات المستقبل من تسلطه عليها ، ولن يتم ذلك إلا بإجتثاث ذلك الوحش الرابض في أعماق الأرض ، مهما كلف الأمر .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال