الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُعتبر سوق العمل أحد المؤشرات المهمة ويعطي تصورا عن الأداء المستقبلي للاقتصاد، ووضع الأنشطة الاقتصادية، لذا يستند الاقتصاديين لمعدل البطالة، لاستنتاج وضع السوق، ويحظى هذا المؤشر باهتمام بالغ لدى واضع السياسة الاقتصادية، فارتفاع معدل البطالة يحمل في طياته آثارا غير مرغوبة وخطيرة جدا من النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، فمن آثاره السلبية على الاقتصاد انخفاض حجم الطلب، والذي يؤدي إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية، وتحمل الحكومات أعباء ماليه من خلال الإعانات التي تقدمها سواء كانت مالية مباشرة أو غير مباشرة، أو كانت عينية، وزيادة الضغوط على الخدمات الحكومية، إضافة لانخفاض الإيرادات الحكومية سواء كانت نتيجة لانخفاض إيراداتها الضريبية المباشرة، أو غير المباشرة.
وقد تلجأ الحكومات لمعالجة الاختلالات في الاقتصاد ومن ضمنها سوق العمل لمزيد من الإنفاق أو اتباع سياسة نقدية توسعية لتحفيز الاقتصاد، وقد لا تجدي تلك السياسات نفعا، خصوصا إذا كان الاقتصاد يعتمد اعتمادا كبيرا على الإنفاق الحكومي، أو كان الهيكل الاقتصادي ريعيا، وعاجزا عن الإنتاج الفعلي لسلع استهلاكية، ليست في مجملها سلعا أولية، في المقابل يُستنتج من انخفاض معدل البطالة، وتراجعها المستمر إلى حالة جيدة يمر بها الاقتصاد، مما يعني أنه قادر على خلق الوظائف والذي يؤدي لمزيد من الطلب على السلع والخدمات المنتجة المحلية، وبدوره يولد انطبعا متفائلا لدى المستثمرين وأن البيئة الاستثمارية مواتية ومشجعة فتزداد تبعا لذلك الأنشطة الاستثمارية.
إلا أن الملاحظ أن سوق العمل يعاني من اختلال واضح لا يعكس حالة الاقتصاد في فترات النمو السابقة، إذ تزايدت معدلات البطالة رغم النمو الذي حققه الاقتصاد، وهنا نتساءل عن مكمن الخلل، فالمفترض أن يظهر أثر النمو الاقتصادي على مستوى التوظف في الاقتصاد، إلا أن ذلك لم يحدث، مما يؤكد أننا لم نمر بنمو حقيقي كما يعتقد بعض الاقتصاديين، وإنما نمو نقدي وقد بينت ذلك في مقالات سابقة.
وهذا يقودنا إلى استنتاج أن سوق العمل يعاني اختلالا تنظيميا، يضاف إليه عاملا آخر يتمثل في إحداث تغيرا هيكليا في الاقتصاد، من خلال تقليل الاعتماد على النفط، وهو ما تسعى رؤية 2030 لتحقيقه، ونتيجة للخلل التنظيمي الذي يعاني منه، ولتغير الهيكلي، فمن المحتمل أن يتزايد أعداد العاطلين، هذا إذا أخذنا بالحسبان وحسب الفئات العمرية للسكان ،أنه بحلول 2020 سيكون عدد الأفراد الذين أصبحوا في سن العمل ما يقارب 1,7 مليون نسمة، وبحلول 2030 يكون عدد الجدد ممن هم في سن العمل يفوق 1.8 مليون نسمة، أي سيكون مجموع من أصبح في سن العمل 3.5 مليون نسمة تقريبا، وهذا يمثل تحدٍ، يحتم حلا تنظيميا مسايرا لبرامج الرؤية وأهدافها أكثر صرامة، وذلك قبل أي برامج تحفيزية للقطاع الخاص.
وكما هو معلوم أن وجود عدد كبيرا من راغبي العمل يفوق بكثير أعداد الوظائف التي يخلقها الاقتصاد ستلقي بضلالها على معدلات الأجور، إذا سيؤدي ذلك لانخفاض متوسط الأجر، ما لم يكن هناك تنظيما يضع حدا ادنى للأجور، إلا أنه من الصعوبة تطبيقه، نظرا لاحتمال ارتفاع تكاليف المنشآت، والذي قد يحدث تراجع كبير في الطلب على العمل من قبل القطاع الخاص، بخلاف لو تركت الأجور لآلية السوق، والذي قد يؤدي لقيام أرباب العمل بعرض أجور أقل، فيما لو استجاب راغبي العمل لانخفاض الأجور التي يعرضها القطاع الخاص، والذي ينتج عنه زيادة في عدد العاملين، وبالتالي انخفاض معدلات البطالة.
ولنبين كيف تتأثر مستويات الأجور مستقبلا، نتيجة لتزايد عدد العاطلين سواء العاطلين مسبقا، أو نتيجة دخول أفراد لسوق العمل أو نتيجة للتسريح التي قام به القطاع الخاص مؤخرا، فمن خلال الرسم البياني أدناه والذي يبين متوسط الأجور للسعوديين وغير السعوديين استنادا لبيانات وزارة العمل للعام 2015، إذ يبين المنحنى ذي اللون الأحمر منحنى عرض العمل للسعوديين والذي يحدد عدد العمال السعوديين ومتوسط الأجر والذي يبلغ ما يقارب 4967 ، في حين يمثل المنحنى ذي اللون الأسود عرض العمل لغير السعوديين، والذي يحدد عددهم، ومتوسط الأجر والذي يبلغ 1150 ريال تقريبا، ونتيجة لزيادة عدد السعوديين الراغبين في العمل حاليا استنادا لارتفاع معدل البطالة، أضافة لتراجع الاستثمارات، سيؤدي لانزحاف عرض العمل للسعوديين ذي اللون الأحمر إلى اليمين (مستوى أقل) ويمثله المنحنى الأزرق المتقطع، عندها سيجعل أصحاب المنشآت يعرضون مستوى أجور منخفض مقارنة بالسابق، والذي قد يجبر الكثير من العاطلين بالقبول بتلك المستويات المدنية من الأجور، مما يعني انخفاض متوسط الأجر للعامل السعودي، إلا أنه بالرغم قبول الأفراد بتلك الأجور المنخفضة سيساهم في زيادة عدد العاملين من المواطنين، وسينتج عن ذلك ضغوطا على عرض العمل من قبل الأجانب، فإما أن يؤدي ذلك إلى خروج بعض العمال غير السعوديين من السوق بسبب إحلال المواطن، أو أن يجبرهم على القبول بأجر متدن مقارنة بالسابق، مما يعني انخفاض متوسط الأجر لغير السعوديين، وبالتالي يصبح ذلك مغر للقطاع الخاص فيعمد أرباب العمل إلى زيادة الطلب على العمل لغير السعودي، وتستمر تلك الضغوط على سوق العمل، ما لم تُتخذ تدابير تنظيمية تحد من ذلك، وتوقف تدهور السوق، وتشمل تلك التدابير الإسراع في تصنيف الأفراد ومعرفة تركزهم حسب المؤهل التعليمي، إضافة لتصنيف الوظائف التي لا تتطلب خبرة وبالإمكان شغلها بالمواطن مثل المهن الفنية، والمهن المتعلقة بالبيع والخدمات، ووقف الاستقدام واحلال المواطن في الوظائف التي تحمل مسميات وظيفية بالإمكان شغلها بالمواطن كالوظائف التعليمية أو الصحية، والهندسية، إضافة لتحديد ساعات العمل اليومية، وأقصى ساعة يسمح العمل بها للمؤسسات ومنافذ البيع على أن لا تتجاوز الساعة 8 مساء، باستثناء المحلات الصغيرة، والتي يعمل بها أصحابها من المواطنين، ذلك سيؤدي لدخول غير السعوديين سوق العمل من خلال إنشاء أعمالهم الخاصة بهم، وسيجبر القطاع الخاص على زيادة الطلب على العمل والذي سيؤدي لانزحاف منحنى طلب العمل للمنشآت -اللون الأخضر- في الرسم البياني لأعلى والذي يمثله اللون البرتقالي، مما يعني زيادة التوظف وارتفاع متوسط الأجر قليلا إلا أنه سيبقى دون مستواه السابق.
ومن الحلول التي يتطلبها سوق العمل، إجبار القطاع الخاص الذي يتعذر بقلة الخبرة لدى المواطن على اتباع سياسة التدريب للمواطن سواء من خلال التدريب الداخلي في المنشأة، أو من خلال معاهد متخصصة يقوم القطاع الخاص بإنشائها وإدارتها، واستقطاب المدربين، وإعداد البرامج التي تهم كل قطاع، كما أن من الأمور المعينة على توظيف المواطنين السماح للمواطن الذي يعمل في القطاع الحكومي بممارسة عمله الخاص، واشتراط تشغيله لمواطنين، مما يساعد على إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية، وزيادة الاستثمارات، والموارد المالية للدولة.
ويبقى على عاتق وزارة العمل وهيئة توليد الوظائف، ووزارة التجارة والاستثمار الجانب الأكبر، في إيجاد تعاون تكاملي، ودراسة سوق العمل، وتحفيز الاستثمارات المولدة للوظائف، وأن يدرك القطاع الخاص الذي حظي بالدلال الحكومي سابقا، أن عليه واجب تجاه وطنه وأبناءه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال