الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كنا خلال العقود السابقة نتناقل عبارات ونصائح العلماء وكبار الناجحين في المجتمعات الغربية أو حتى العربية، ونعتبرها القاعدة الأساسية للتفكير المثالي، والطريقة الفعالة لأداء الاعمال، والوصفة الأفضل لتحقيق النجاح. وكانت الميزة التنافسية والتسويقية لمنفذي البرامج التدريبية اما استقطاب كبار العلماء والخبراء الأجانب للبرامج المحلية، أو عقد تلك البرامج في مواقع تواجد أولئك الخبراء. ومع التطور الزمني، تطورت بعض النشاطات من برامج تدريبية صغيرة، الى مشاريع استشارية ضخمة تقدم خدمات واضحة ومهمة يتم استخدامها كمدخلات قبل البدء بإعداد أي خطة استراتيجية، أو برامج تطويرية، او مبادرات مثل تحسين الأداء وخفض النفقات.
وبلا شك، ساهمت تلك البرامج التدريبية في تطوير قدرات ومهارات ورفع كفاءة الكثير من المتدربين، كما استفادت العديد من الجهات بتحقيق اهدافها بدرجة أكبر وبوقت أسرع من خلال الاستعانة بكبرى بيوت الخبرة الاستشارية وتحديد أفضل وأنجح الممارسات العالمية. وتضاعفت الفائدة حينما تم دمج الكفاءات الوطنية عالية التأهيل والتدريب بالجهات الوطنية التي يتم العمل فيها وفق استراتيجيات واضحة وأهداف محددة مبنية على أفضل الممارسات العالمية.
وخلال السنوات الماضية أصبح التدريب والخدمات الاستشارية هدف بعد أن كان وسيلة فعاله، وأصبح الحصول على شهادة اجتياز دورة معينه للمتدرب، أهم من قياس تأثيرها على تطوير مهارات وقدرات المتدرب، وأصبح إدراج أسم شركة استشارية في أي عرض مقدم أهم من محتوى العرض نفسه. فالدورات التدريبة حاليا تعقد غالبا بالفترة الصيفية وفي مدن ساحلية وجميلة وفي فنادق فخمة ومتنوعة، والمكاتب الاستشارية بدلا من أن يكون محور اهتمامها يتلخص بتقديم خطط استراتيجية مهنية، ومبادرات عملية وخلاقة، وجداول زمنية منطقية، أصبح همها المسؤول وليس المسؤولية، وتعمل وفق توقيت زمني مطاطي وعالي المرونة.
وبالتالي نشاء لدينا سوق تجاري جديد ومربح، ادواته ولاعبيه الرئيسيين من الوافدين، يمارسون نشاطهم عبر العديد من مراكز التدريب والشركات الاستشارية التي تتنافس فيما بينها للحصول على أكبر حصة من كعكة الفرصة التجارية. وانتشرت مراكز تدريب وشركات استشارية تعتمد لتحقيق أرباحها على زيادة الإيرادات وخفض النفقات، فتم استبدال كبار العقول والعلماء بجيل جيدي يطلقون على أنفسهم ألقاب مجانية مثل المدرب المعتمد والاستشاري المتخصص والخبير الدولي، وتم استبدال التدريب العلمي الجاد، الى (أركان حضانة) بين المتدربين للتنافس والفوز بلقب صاحب أطول نفس، ومن يستطيع أن يصنع طائرة من ورقة صغيرة، ومن يملك فكر عميق لتحديد ما إذا كانت الصورة الغامضة لفتاة تحصد وردة أم لعجوز يقرأ كتاب، وغيرها من الفقرات الترفيهية التي من المفترض انها ستصنع لنا قادة المستقبل.
كما أنحرف الدور الهام لبيوت الخبرة الاستشارية العريقة من مساعدة الجهات بتحديد مشاكلها، وتطوير أساليب ادارتها، وتعظيم استفادتها من التطور التقني والعصر الرقمي، الى البحث عن مزيد من الفرص التجارية لنفسها لضمان استمرار عملها الاستشاري لأطول مدة ممكنة. وأقتصر ظهور (كبير الخبراء والمستشارين) للشركة الاستشارية في مكتب المسؤول الأول فقط، لتطمينه بأن العمل يسير بحسب المتوقع منهم، وتزويده ببعض الرسائل الهامة ليطرحها كقواعد عامة للموظفين، وبعض العبارات الرنانة ليستخدمها في المؤتمرات والمقابلات وعند لقاء المسؤولين الأخرين. ومن ينفذ العمل الاستشاري على أرض الواقع، مجرد شباب وافدين -عرب وأسيويين- حديثي التخرج، مميزين بالشكل والطول، أنيقين ببدلات لماركات عالمية، بضاعتهم ما تم تلقينهم من مصطلحات غربية حديثة، وطبيعة عملهم تنحصر بجمع بيانات محددة لهم مسبقا وتسلميها للرئيس الكبير والذي يكون غالبا من عرب الشمال.
التدريب وخدمات الشركات الاستشارية أمر مطلوب ومفيد ومهم، وكانت بداياته مبنية على أسس قوية وصحيحة، لكن بشكله الحالي و(المستورد) من دول تعاني المشاكل من كل جانب، وليس لديها أي سطر أو حتى كلمة في سجلات النجاح، أمر غير مطلوب. نحن في وضع أفضل من العقود الماضية سواء من ناحية الإمكانيات او من ناحية العقول والكفاءات، فلقد حان الوقت لتطبيق ضوابط رقابية حازمة على المراكز التدريبة لضمان جودة مخرجاتها. وضرورة أن يتضمن عقود الشركات الاستشارية (المحترمة) بنود خاصة بنقل المعرفة (Know How) للجهات أنفسها.
فالشركات الاستشارية تعمل لدينا بشكل كبير، ومراكز التدريب تربح لدينا بشكل كبير، لكن التطورات المميزة والحلول الناجحة والنتائج الصحيحة، لم تظهر لنا حتى الأن بشكل كبير. والأهم من هذا، أن الفائدة المالية الأكبر تذهب للوافدين، والفرص العلمية والعملية والتطويرية الأكبر تذهب كذلك للوافدين.!! فالمنطق يقترح تقليص الاعتماد على الوافدين، والبدء بتوطين أغلبية وظائف التدريب وفتح الباب الكبير لفرص العمل للمدربين السعوديين، وإلزام الشركات الاستشارية الأجنبية خلال مدة عملها باشراك وتطوير القدرات الاستشارية والتحليلية للموظفين السعوديين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال