الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لايوجد شي في الاقتصاد اسمه “اقتصاد البلوك تشين” Blockchain Economy لكني استخدمته مجازياً هنا للتعبير عن أهمية تقنية البلوك تشين في الاقتصاد الحديث المسمى بالاقتصاد الرقمي أو الـDigital Economy، حيث تجاوز الاقتصاديين مرحلة اقتصاد المعرفة واقتصاد قائم على المعرفة لندخل عالم البلوك تشين العمود الفقري ومحرك الاقتصاد الرقمي.
الاقتصاديون متهمون بتأخرهم في مجاراة التحولات الابتكارية وإعادة صياغة نماذجهم ومعادلاتهم الاقتصادية سواء في جزئيات الاقتصاد أو كل الاقتصاد، بقصد من ساسة مال أو بدون وهذا ليس حديثي الآن، ربما لاحقاً.
مضطراً أن أضع هنا تعريف موجز لتقنية البلوك تشين بما أنها حديثنا وهي: تقنية لتخزين التعاملات الاليكترونية عبر النت لأي عملية ( بلوك Block) يقوم بها الإفراد أو الشركات والبنوك أو الحكومة فيما بينهم أو مع العالم، باستخدام عملات رقمية مشفرة، ولكل شخص أو شركة صفحة خاصة به لكل عملياته في الخوادم، تتسم بأنها مشفرة ودرجة أمان عالية بشكل غير مركزي، تتوزع على شكل سلسلة ( تشين Chin) من البيانات لأطراف كل عملية دون حاجة لوجود طرف ثالث بين بائع ومشتري كبنك أو تنظيم حكومي، فهي تتسم بأنها بيانات مشفرة متصلة بكافة خوادم بيانات جهات عدة، سرعه بأنهاءالعملية، أقل كلفة، غير قابلة للخطأ أوالتلاعب والتزوير، عقود ذكية محوكمة.
ماهي الأهمية أو الروابط التي تتطلب أن يستوعبها الاقتصاد من هذه التقنية؟
هي انترنت الأشياء Internet of things ، وحينها نتحدث عن تعاملات ذات معدل نمو عالي جداً في الاقتصاد العالمي التي تشكل فيه هذه التقنية قرابة الـ 10% من حجمه وفق بيانات منتدى الاقتصاد العالمي وستصل لنسبة عالية في سنوات قادمة قريبة. هذه التعاملات ستشمل كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية دون استثناء، وستخلق عالم اقتصادي جديد أهم ملامحه الأساسية:
1. هذه التقنية وعملاتها ربما تكون بداية نظام نقدي مستقبلي جديد لكن ليس الآن، لأن في تاريخ النقد وطبيعة عمل البنوك المركزية لا ترفض أي منتج مالي ونقدي جديد خلقه قطاع خاص ومستوى مستخدمين ينمو عالياً، بل يسايره وفق تنظيم يضمن سلامة النظام النقدي العالمي كما هو نظام بريتون وودز 1944 ، ولثورة البلوك تشين أعلاه كتعامل عالمي ربما نعاصر عملة اليكترونية عالمية موحدة أساسها الذهب لكن صرفها يتغير حسب حجم التداول، رأينا اطلاق الصين عقود نفط آجله مربوطة بالذهب، مؤخراً خطة فنزويلا إصدار عملة رقمية بترو كوين Petrocoin مربوطة لاحتياطي النفط والذهب والألماس، اذن نحن أمام بدايات تستحق المراقبة والاستعداد والاستفادة منها.
2. تغيير في نماذج أعمال Business Models جديدة وأدوار ابتكارية للمؤسسات الحكومية والغير ربحية لم تكن موجودة من قبل، تشمل حكومات اليكترونية، بنوك مركزية من حيث لامركزية التنظيم وعملات رقمية خاصة وهذا ماتحاوله البنوك المركزية من استكشاف لها وتجربة.
3. تغيير في نماذج أعمال قطاع خاص تشمل أدوار البنوك التجارية في مجال التكنولوجيا المالية Fintech ودخول شركات تكنولوجية على أدوار البنوك، ولطبيعة الاقتصاد الرقمي، أشكال الأسواق ستتغير من منافسة إلى شكل احتكاري أكثر وستؤثر تلقائياً على تغيير في نماذج أعمال الشركات والأفراد في عدة مجالات.
4. لطبيعة مزايا تقنية البلوك تشين، ستؤثر حتماً على صياغة عدة معادلات اقتصادية مثل أنظمة مدفوعات تجارية وحسابات قومية وسيولة ومؤشرات إنفاق استهلاكي وتضخم وأجور لم تكن تدخل كلها في صياغة المعادلات الاقتصادية حالياً، وربما هذا هو سبب في لغز النمو والتضخم والأجور في الاقتصاد الحديث، وأرى أننا بمرحلة انتقالية للاقتصاد تفسر حالة الركود الطويل والنمو سأتحدث عن ملامحه لاحقاً.
5. تحديث المعادلات الاقتصادية أعلاه يخلق تحدي أمام منهجيات الإحصاء الحالية التقليدية ولا نتعذر في كونها طرق شائعة، بل نبادر لمنصات الأون لاين والسجلات الاليكترونية بأسرع وقت واستعداد لدخول الشبكة العالمية ومشاركة مع مراكز الإحصاء لكل مدخلات المعادلات الاقتصادية، وتحديث تشاركي لرموز بنود جمركية قديمة وجديدة مرتبطة بالبلوك تشين، وقد كان هذا الموضوع تحديداً محل نقاش جلسة في المنتدى الإحصائي الخامس لصندوق النقد مؤخراً.
6. مرحلة من تعليم وسوق عمل نموذجه مختلف يعتمد بدرجة أولى على العلاقة الرقمية واللامركزية مثل التعليم الاليكتروني والتفاعلي والتشاكي قائم على تخصصات يطلبها سوق العمل بنموذجه الجديد، ولعلنا نلاحظ تطور العمل المستقل Gig Economy الذي يمثله معنى الـ Free Lancers ومنصات اليكترونية مرتبطة بخدمات البلوك تشين، وهذا يشكل تحدي لراسمي سياسات واستراتيجيات التعليم وسوق العمل في دراسة منظومة البلوك تشين لاستخلاص التخصصات التي يحتاجها سوق العمل المستقبلي، وتوجيه سياسة واستراتيجيات تنظيم سوق العمل والتوظيف وفقها.
ختاماً لهذه المقالة التي كتبتها سريعاً، ربما تلاحظ التالي:
1. أن فيها من العلاقات المستقلة والتابعة الكثير، وقصدت ذلك اجتهاداً مني تكون نافذةللباحثين الاقتصاديين لمواضيع قد تكون جيدة ومحل لاختبار هذه العلاقات الجديدة بدلاً من مواضيع تقليدية.
2. دعوة للبنوك المركزية ومراكز الإحصاء الوطنية بسرعة التحول في المناهج والنماذج للنظام النقدي والإحصائي.
3. توضيح الصورة لمجتمع المال والأعمال وتحديداً ريادة الأعمال للتحول الجذري الذي يسير إليه الاقتصاد العالمي لتكييف نماذجهم ورصد الفرص.
4. توضيح الصورة أيضاً للطلاب والطالبات نحو مستقبل التعليم والتخصصات المستقبلية، والأهم هو لفت نظر مخططي استراتيجيات التعليم ومنظمي سوق العمل للنماذج المتوقعةمستقبلاً، وعدم الهدر المالي والبشري للوظائف التقليدية الغير ماهرة.
العالم أمام مرحلة تحولية لا تتفق معه الأفكار والخبرات التقليدية سواء على مستوى إدارة وتنظيم المؤسسات الحكومية أو على مستوى نماذج أعمال القطاع الخاص، أو على مستوى تعليم أفراد المجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال