3666 144 055
[email protected]
شهدت وسائل التواصل الأسابيع الماضية احتفالاً واحتفاءً عريضاّ بموافقة الشورى على تعديل نظام القضاء في تحديد مؤهلات القاضي العلمية أو الدراسية ، وبذلك قد يتسنم كرسي القضاء قريباّ قاض تخرج في إحدى كليات الأنظمة أو القانون، ليسهم ويدعم الآراء والأحكام القضائية فيما هو داخل في تخصصه وبما تركزت دراسته فيه، وذلك بعد تأهيل شرعي لمدة معينة.
وقد يطرأ سؤال هنا : هل سيُسمى: فضيلة الشيخ؟ وهل سيلبس المشلح “العباءة”؟
قد يكون هذا من الأسئلة الفضولية، لكن الأهم أن يقال: أن منصب القاضي في الشريعة قد ارتبط ذهنياً بالتدين الظاهر شكلاً ، والتدين السلوكي تطبيقاً، حتى إنه يُستنكر منه التساهل أو الأخذ بالرخص، ولا يزال حتى عصرنا الحاضر يمارس القاضي مهامّاً متعددة من التعليم والإفتاء وإمامة الناس في المجامع الدينية، فهل لا زالت هذه المواصفات في القاضي مطلوبة؟
وممكن أن نجيب على جزء من هذا السؤال بسؤال آخر وهو هل منصب القضاء من المناصب الدينية كالإفتاء؟ وفي هذا نستحضر اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للقضاة فقد اصطفى لأهل اليمن أعلم أصحابه بالحلال والحرام ونصوص وقواعد الشريعة وهذا من لوازم تطبيق الشريعة ، لكن هل استجدت تخصصات قضائية بقدر ما تجددت العلاقات المدنية وتشعبت بالقدر الذي تحتاج فيه لمؤهل علمي آخر بإزاء العلم بالشريعة؟ وفي مثل هذه التخصصات هل ستكون الصفات المتطلبة في القاضي بنفس القدر المطلوب في القاضي الذي يحكم في المحكمة العامة الشرعية؟
أما النزاهة و إجراء العدل فلا شك أنه لا يستلزم التدين الظاهر ولا السلوكي فقد يكون عدلاً صادقاً نزيهاً في حكمه ومعاملته ولا يبدو عليه سمات التديّن الظاهرية وقد يحصل العكس، وقد ذكر الفقهاء في تحديد مفهوم شرط العدالة في تولية القضاء : “أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً للمآثم ، بعيداً عن الريب، مأموناً في الرضا والغضب ..” وهذه كلها أمارات ليستدل بها على معنى اشتراط العدالة في القاضي وهو نزاهته وأمانته في إصدار الأحكام.
ولكن الأمر البدهي أنه للتصدي للقضاء في أي بلد فالشرط الأساسي هو العلم بالأنظمة والنصوص والقواعد التي ترتكز عليها أحكام القضاء وأولها الدستور، لذا فلا جدال لدينا حول أولوية التأهيل الشرعي للقاضي؛ لأن الشريعة هي الدستور والمرجع والقاعدة العامة التي يجب أن تبنى الأنظمة على وِفقِها؛ ولأنها المرجع فيما لم تنص عليه الأنظمة.
وإذا تقرر أن التأهيل هو الأهم، فلابد من العودة لنقاش نظام الدراسة في كليات الشريعة والأنظمة التي تدفع بمخرجات مزدوجة التأهيل وتمارس المهنة نفسها كالمحاماة والتحقيق والاستشارات القانونية وقريباً ينتظر أن يمارس خريجو كليات الأنظمة القضاء.
كما أن هناك مسوّغ آخر يدعو لمراجعة أمر المؤهل الدراسي لممارسي المهن الحقوقية والقضائية، وهو أن عدم التأهيل الكافي لخريجي الجامعات سوّغ اشتراط ثلاث سنوات من الخبرة للترخيص بمزاولة المحاماة و يعمد الجهاز القضائي إلى توجيه مرشحيه لدراسة الماجستير في المعهد العالي للقضاء مدة تقارب الثلاث سنوات، كما اضطرت وزارة العدل مؤخراً لإنشاء معهداً لتدريب المحامين مدته ثلاث سنوات لتحصيل الخبرة المطلوبة في نظام المحاماة. وبالنظر إلى النموذج البريطاني والأمريكي فنجد أن اشتراط مؤهل دراسي عالٍ بعد الجامعة (سنتين- ثلاث) هو المعتمد ولا يحتاج بعدها إلى خبرة عملية للحصول على رخصة مزاولة المهنة بل هو اختبار شامل عالي المستوى لا يمكن تجاوزه بدون تحضير جادٍّ و شاق.
لذا يبدو أنه قد حان الوقت لتوحيد هذه الجهود المزدوجة والمسارات المتوازية لتأهيل القاضي الشرعي قانونياً وتأهيل المحامي شرعياً وقانونياً و قريباً تأهيل القاضي القانوني شرعياً ، وذلك باستحداث مؤهل عالٍ كبرنامج دكتوراه مهنية تقدمه الجامعات مدته ثلاث سنوات –وليس بكثير أن يدرس القاضي والمحامي سبع سنوات فليست مهنته بأسهل ولا أقل خطراً من الطبيب- وفي هذا البرنامج مواد أساسية إلزامية قانونية لخريج الشريعة ومواد شرعية إلزامية لخريج القانون ومواد اختيارية وهي الأكثر لتعزيز تخصص الطالب وميوله.
وبهذا النموذج سيقضى على كثير من العقبات والازدواجية في تأهيل أصحاب المهن الحقوقية و زوال التنافر الحاصل والذي يصل أحياناً لتقليل كل فريق من أهمية وعمق مخرجات الفريق المقابل. وأهمية هذا المقترح لمتخصصي القانون حتى من المحامين أكثر لوجود برامج تأهيل قانوني عالٍ لخريجي الشريعة كتخصص الأنظمة في المعهد العالي ومعهد الإدارة ، فإذا كان سيؤهل خريج القانون شرعياً ليصل لمنصب القضاء فينبغي أن يدرك المحامي القانوني فرصة التأهيل الشرعي كذلك.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734