الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بدايةُ سنةٍ جديدةٍ عادةً ما تكون موسماً لكتابة الأحلام والأهداف والمشاريع. ترتفع نسبة الاشتراكات في النوادي الصحية ومراكز تعليم اللغة وغيرها في هذا الموسم. قليل من استطاع تحقيق أهداف العام الماضي والكثير من يكرر كتابة نفس الأهداف التي تمت كتابتها في الأعوام السابقة. مع نهاية عام الأحداث الكبيرة 2017، لعله من المناسب مناقشة السؤال: لماذا نكتب الأهداف ولا نستطيع تحقيقها؟ ولماذا لا نستطيع عادةً أن نكون التغيير الذي نريد. هذا السؤال كان محور دراسة قام بها مارشال قولدسميث في كتابه “المحفزات” المنشور عام 2015، ويمكن تلخيص أبرز ما تناوله الكتاب في النقاط التالية:
أولاً: التغييرات الكبيرة ذات المعنى في حياتنا ليست بالعملية السهلة. هذه النوعية من التغييرات صعب أن تبدأ بها، وأصعب منها أن يبقي وأن يكون جزء من الروتين اليومي الجديد. ولأجل صعوبة هذه العملية، نتظاهر أحياناً بعدم حاجتنا للتغيير. الاعتياد على التموضع في منطقة الراحة وممارسة نفس الروتين والعادات اليومية فترة من الزمن يصيبنا بالترهل. هذا الترهل يجعل عملية أي تغيير ذات معني في حياتنا عملية مزعجة وصعبة. بالإضافة إلى أننا نعيش في عالم ملئ بالمغريات والمحفزات السلبية والتي لا تدفع بالضرورة نحو التغيير الايجابي. لذلك فإنه مهما كتبت أهداف للتغيير، إلا أن هذا التغييرلا يمكن حدوثه إلا إذا كنت مقتنعاً حقاً بها.
ثانياً: البيئة التي نعيش بها تشّكل كثير من تحركاتنا وتصرفاتنا من خلال المحفزات. المحفزات هي منبهات تعيد تشكيل أفكارنا وتصرفاتنا. على سبيل المثال: رؤية المملكة 2030 اعادت تشكيل قرارات جميع الأجهزة الحكومية في السعودية على الرغم من أن خطط التنمية الخمسية لم تكن تؤثر كثيراً على قرارات نفس الجهات. لم تؤثر رؤية 2030 على قرارات الأجهزة الحكومية فقط بل تعدت ذلك للقطاع الخاص والأفراد. لا تقتصر البيئة التي نعيش بها على الرؤية، بل تشمل البيت، العمل، الأصدقاء، وغيرها وهي تعمل بشكل هيكلي وليست بالضرورة في صالحنا. على الرغم من أن العوامل المؤثرة على البيئة هي غالباً خارج نطاق السيطرة، إلا أننا نستطيع التأثير عليها وإعادة توجيهها لمصلحتنا.
ثالثاً: التغيير الذي نريد لا يمكن أن يحصل من خلال الصدفة الحسنة بل من خلال الانضباط في التدريب والتعلم. قد لا نستطيع التحكم في كل البيئة التي حولنا لكننا نستطيع التأثير على الظرف والموقف الذي نمر به. إذا كان الهدف – على سبيل المثال- هو رفع كفاءة وتحسين مخرجات اجتماعات العمل، فإننا نستطيع غالباً التحكم في الموقف من خلال تحديد مواضيع الاجتماع، تحديد وقت أقصى لمناقشة كل موضوع، عدم السماح للخروج والاسترسال خارج الموضوع تحت المناقشة… وهكذا. الانضباط في هذا الموضوع يتطلب معرفة بحدود المواضيع وتركيز حاضر.
رابعاً: للتوقف عن عاداتك وتصرفاتك الغير مرغوبة الحالية، تحتاج إلى معرفة محفزات هذا التصرف. على سبيل المثال: النوم المتأخر أو عدم أخذ الكفاية من النوم قد يكون تصرف غير مرغوب. وقد تكون رسائل الواتس في وقت متأخر من الليل محفز على التأخر عن وقت النوم المعتاد. معرفة محفزات التصرفات غير المرغوبة يعطينا القوة للتعامل مع هذه المحفزات وبالتالي التوقف أو تحجيم أثرها.
خامساً: نحتاج أيضاً لمعرفة المحفزات للتصرفات والعادات المرغوبة. قد تهب للدفاع عن الوطن عندما تسمع نقداً وتجريحاً لوطنك من شخص غريب. ينبغي هنا أن ندرك أن المحفزات ليس بذاتها سيئة أو جيدة. ما يحفز شخص للعمل قد يحبط شخصاً آخر عن أداء نفس العمل. عندما نحصل على زيادة في الراتب أو مكافآة مالية على عمل مميز، قد يحفز هذا شخص لاستثمار المبلغ الإضافي بينما يتوسع آخر في شراء كماليات. رؤية شخص يقرأ كتاب قد يحفزك على القراءة، وقراءة كمية السعرات الحرارية في الوجبة السريعة قد يحفزك للأكل الصحي.
سادساً: المحفزات لوحدها لا تكفي لاكتساب عادات، المحفز يحتاج إلى دافع، والدافع إلى معرفة، ومن خلال ذلك يتشكل السلوك ومع الاستمرارية عليه يتحول هذا السلوك إلى عادة. حديثُ زميلٍ عن كتابٍ قد يحفزك لاقتناءه، فضولك قد يدفعك لقراءته، اشتراكك مع مجموعة داعمة للكتاب قد تساعدك على مواصلة القراءة، مواصلة القراءة بشكل مستمر يجعل القراءة عادة وروتين. حتى يتم التغيير، نحتاج لنتعلم على مهارات الحذف والاضافة والمحافظة والقبول. لتغيير نمط عملك، قد تحتاج إلى حذف بعض مهامك من خلال تفويض مدير مكتبك لأداء بعض المهام الروتينية، إضافة عناصر استراتيجية في جدول يومك تزيد من عطائك المستقبلي، مع المحافظة على المكتسبات والخبرات العملية، والقبول بما لا يمكنك تغييره.
لا يمكن تصور الاستمرار في رحلة الحياة بدون تغيير وتطوير. تغيير سلوكياتنا يتطلب تركيز وعمل وجهد مستمر. الأهداف مجرد أمنيات ما لم نطرح على أنفسنا أسئلة تعرفنا على مكامن الخلل وفرص التطوير وتساعدنا على بناء هيكلية روتينية تعزز من قدرتنا على تحويل الأهداف إلى واقع نعيشه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال