الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ليلة من ليالي الشتاء القارصة وفي أطراف مدينة السيح الساحرة وبينما كنت أحتسي الشاي مع مجموعة من الصيادلة مستمتعاً بحديثهم حول دراستهم لعلم الصيدلة وأبحاثهم فيه، طرق مسمعي مصطلح أحسست فيه بالنشاز منذ الوهلة الأولى ولم تتقبله أذني، فبادرت بسؤالهم ماذا تقصدون بالـ Post-Marketing Surveillance(مراقبة ما بعد التسويق)؟ لأني لم يسبق لي خلال 15 سنة في عالم التسويق أن سمعت بمصطلح “ما بعد التسويق” في هذا السياق أبداً أو على الأقل لا أتذكر ذلك. كانت أجابتهم واضحة وجلية ولكنها لم تروي عطشي حول معرفة قصة هذا المصطلح ولم أرغب في قطع حديثهم الماتع عن علم الصيدلة وأسراره. لا أخفيكم سراً أني لم استطع النوم في تلك الليلة – إلا بعد جهد جهيد – من شدة التفكير في هذا المصطلح وكنت أتساءل لماذا لم تقبله أذني وما هو الشيء الغريب حوله؟ وها أنا أحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور واكتب لكم ولهم “أيها الصيادلة أفيقوا…”.
حسب تعريف هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (وبتصرف تسويقي) فإن هذا المصطلح يعنى بآليات مراقبة وجمع المعلومات الخاصة بالأدوية بعد استخدامها من قبل المستهلكين لعرض تطوير المنتج (تعزيز الأمان واليقظة الدوائية). فهنا نقطتان هامتان؛ الأولى، إن هذا المصطلح يعنى كما هو واضح من تعريف الـ FDA بما بعد استهلاك الدواء في المقام الأول أو فيما بعد البيع.
فالاستهلاك والبيع وظائف (مهام) وكلمتي قبل وبعد في هذا السياق تستخدم في الوظائف ولا يصح استخدامها في العمليات المستمرة التي ليس لها بداية أو نهاية كالتسويق. يقول في فيليب كوتلر في تعريفه للتسويق ” هو تلك العمليات (وليس الوظائف) الإدارية والاجتماعية التي من خلالها تقوم الجهات بخلق المنافع لدى العميل لبناء علاقة على المدى الطويل لاكتساب منافع من العميل”. لذلك فإن عمليات التسويق تعنى بتسهيل سريان المنتج من مرحلة ما قبل الانتاج إلى مرحلة ما بعد البيع والاستهلاك وهذا هو بالتحديد ما يقصد بالـ Post-Marketing Surveillance. فهو جزء من أجزاء العملية التسويق وليس بعد التسويق. النقطة الثانية، كثيراً ما يُخلط ما بين التسويق والبيع أو التسويق والإعلان حتى أصبح مستساغاً لدى العامة ولكني لم أعهد الخلط بين التسويق والاستهلاك من قبل لأن التسويق في الأصل هو دور المنظمة أما الاستهلاك فهو دور العميل (المستهلك) في الدورة الاقتصادية.
المقصود بأن التسويق ليس له بداية ولا نهاية (وهي جملة مجازية) أن التسويق للمنتج يبدأ منذ عهد سحيق أي منذ بداية فكرة تأسيس الشركة المنتجة للمنتج لأن ذلك كله سوف يكون له تأثيراً على تصورات وانطباعات الناس عن المنتجات أو ما يسمى بتأثير العلامة التجارية على المنتجات. ويتبع ذلك ما يكون من مرحلة جمع المعلومات لاتخاذ قرارات استراتيجية في مرحلة التأسيس للشركة وتتوالى الوظائف التسويقية حتى مرحلة ما بعد البيع ولا تقف عنده. ولعلي في مقال قادم أناقش مصطلح “ما قبل التسويق” في سياق مختلف وكيف يكون التسويق في ذلك السياق مختلفاً تماماً عما نقصده في هذا المقال.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال