الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كل قرار وإجراء يتم من أجل إصلاح الخلل الهيكلي في سوق العمل السعودي ويعيد دفت إدارة الاقتصاد إلى أبناء الوطن يجب تأييده ودعمه والوقوف إلى جانبه ، فذلك لم يعد خيارا بل ضرورة يجب القتال من أجل تحققها ، لكن لا يجب أن يكون ذلك الدعم والتأييد أعمى بحيث يصبح ضرره أكثر من نفعه .
وقطاع البقالات وبيع المواد الإستهلاكية والتجزئة ضخم جدا من حيث عدد الوظائف والعوائد المالية وأهميته في الاقتصاد ، وسعودته مكسبا كبيرا جدا للاقتصاد . لكن لا يجب أن نغفل عن معوقات تلك السعودة التي قد تفشلها أو تتسبب في مشاكل كبيرة للاقتصاد والمواطن مالم يتم إيجاد حلول واقعية لتلك المعوقات .
أولى المعوقات مدى قبول الشباب بالعمل في تلك المهن وموانعهم في ذلك كثير ؛ أولها وأكبرها أثرا برأيي أن العمل في البقالات الصغيرة كموظف لا يرضي طموح أي شاب ، ومن يقبل تحت ضغط الحاجة المادية لن تكون تلك المهنة خياره الدائم . يدعم ذلك التوجه الضعف المتوقع للأجور الذي ستقدمه البقالات خصوصا الصغيرة منها ، إضافة إلى وقت العمل الطويل والمجهد الذي يمتد من بداية النهار وحتى أخر الليل .
ولا تتوقف المعوقات على الشباب بل هناك المالك السعودي لتلك المنشأة الصغيرة ، والملاك على نوعين الأول الذي يملك ويدير المنشأة فعليا ويعرف كل صغيرة وكبيرة عنها ، والثاني ذلك الذي لا يملك منها إلا الإسم فقط عدا ذلك فلا يعرف عن تلك المنشأة شيء ، بل إني أعرف من الملاك من لا يعرف مكان البقالة المسجلة بإسمه إلا من الأوراق التي يوقع عليها .
الإشكال مع النوع الأول من الملاك ليس كبيرا وينحصر في الأجور المنخفضة غالبا التي لن يقبل بها الشباب ولن يستطيع المالك رفعها خصوصا في هذا الوقت ، ومشكلة المالك أيضا مع عدم جدية بعض الشباب في العمل خصوصا في الأعمال المرهقة . وهذا النوع من البقالات أنصح بعدم شمولها بالقرار على الأقل في المرحلة الأولى، لقلة عددها بالنسبة لمجمل البقالات ، ولأن السعودة سوف تضر بالمالك السعودي إما لعدم وجود من يقبل العمل بأجر منخفض أو لتضرره من تقديم أجور مرتفعة .
أما المشاكل مع الملاك من النوع الثاني الذين يمثلون النسبة الأكبر من الملاك فكبيرة ومعقدة ، جانبها الإيجابي أن القرارات سوف تضيق عليهم تسترهم وتنقذ الاقتصاد من عبثهم بلا عوائد مجزية لاشخصية ولا وطنية . وتبدأ الإشكالية بل المشكلة من التخارج بين المالك السعودي والمالك المشغل غير السعودي ، وكيف سيتم ذلك التخارج إن تم .
وهل سنعود إلى ما حدث في أسواق الخضرة عندما كان العامل يوظف سعوديا يجلس في البسطة ليراه المفتشون ، ويعطيه أجرة يوميه زهيدة حتى تنتهى مدة الحملة . أم أن جدية التطبيق هذه المرة سوف تتجاوز ذلك العبث ، وإن حدث وهو المتوقع أو المتمنى كيف ستتم تصفية العلاقة بين المالك السعودي والمالك غير السعودي ؟ اعتقد أن المحاكم سوف تواجه مشاكل كبيرة في هذا الصدد، وسنشهد دعاوى ودعاوى مضادة . وربما يصل الأمر لتدخل سفارات بعض الدول التي تسيطر عمالتها على ذلك القطاع .
المشكلة الأخرى كيف ستكون العلاقة بين المالك السعودي والموظفالسعودي ؟ هل سيقبل به كموظف ويدير هو المشروع ؟ أم سيطلب منه أن يأخذ مكان المشغل غير السعودي ؟ أم يبقيه موظفا ومديرا للمشروع ، وفي هذه الحالة هل سيقبل الشاب السعودي بتلك العلاقة؟ ومشكلة الإثنين أنهما يجهلان أسرار العمل وطرق إدارته وعلاقاته المعقدة .
والمسألة الأخيرة مشكلة أخرى في قطاع البقالات ، فدائرة الإحتكار ليست محصورة في تشغيل البقالات الصغيرة ، بل تمتد إلى الموردين الكبار ، وإن كانت شركات التوريد مملوكة لسعوديين لكن إدارة معظمها بأيدي غير سعودية بالكامل ، وخدمات التوزيع بين الموردين والبقالات محتكرة كذلك . ومعظم خدمات تجارة المواد الإستهلاكية تحت سيطرة جنسية محددة . ولابد من تحرير القطاع بالكامل من الإحتكار في الدوائر الثلاث ؟ حتى يصبح العمل داخله ميسورا للسعودي . فبسبب ذلك الإحتكار أجبر صاحب بقالة سعودي على تسليمها إما مبلغ مقطوع أو الإفلاس ، والحالات من هذا النوع كثيرة جدا .
وأخيرا تأتي إشكاليات تشغيل تلك البقالات ، فليست المسألة ظاهر البيع فقط والوقوف أمام الصندوق ، فهناك التوريدات وإحتياجات العملاء والعلاقة مع الوكلاء وتجار الجملة والموزعين والنقل ، ومشاكل التنظيم والتخزين وطبيعة كل منتج في العرض والتخزين ، وإدارة العمال السعوديين وغير السعوديين ، وأخيرا إدارة الحسابات ومشاكلها خصوصا مع مشاكل الضريبة .
لابد من آليات تحكم العلاقات بين الملاك السعوديين والشباب السعودي ولا أعتقد أن التوظيف العادي سيكون مجديا ولابد من صيغ وأساليب أخرى لتنظيم تلك العلاقة بين الطرفين .
وأعتقد أن شراء بعض البقالات من قبل صندوق الإستثمارات العامة أو صندوق الموارد البشرية وتسليهما للشباب على أن يتملكونها بعد سداد تكاليفها كاملة وثبات جديتهم في العمل سيكون من الحلول المناسبة لهذه المشكلة ، على أن يكون الإشراف على التشغيل والحسابات طوال تلك الفترة بيد الجهات المسؤولة لضمان الجدية والإلتزام وحمايتها من الفشل .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال