الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المقال هدفه حيادي علمي محض.
تخفيفا لسوء الفهم، من المفيد جدا ومن البداية تحديد مواضع النقاش أو ما يسميه علماء المنطق أو أصول الفقه تحديد أو الاتفاق على مسائل النقاش والنزاع.
أولا لا تدخل في النقاش مؤشرات أسواق مالية كأسواق أسهم أو السلع المسعرة حكوميا أو التي يبيعها أو يتحكم في توفيرها في السوق بائع أو بائعان ونحو ذلك.
ثانيا المقصود بانهيار أن ينخفض من حيث المتوسط انخفاضا كبيرا كالنصف فأكثر بصورة مستمرة عن متوسط السعر المرتفع السائد لسنوات. ومن ثم يفهم أن متوسط السعر إذا ارتفع أو انخفض بقوة في ظروف خاصة ولمدة قصيرة كشهور فهو غير مقصود بالحديث هنا عن الانهيار.
ثالثا الكلام عن ارتفاع أسعار سلع ارتفاعا شديدا، يتجاوز كثيرا معدل التضخم العام.
على مدى السنين، ارتفعت أسعار سلع بشدة، واستمرت مرتفعة لمدة طويلة، ثم انهارت أسعارها بالمعنى السابق. ربما كان أشهر مثال حديث النفط.
كانت أسعاره تدور حول 25 دولارا للبرميل لمدة طويلة تزيد على عشر سنوات. ثم بدأت في الارتفاع من عام 2004 لتدور حول 80 – 100 دولار خلال الفترة 2007 – 2014، أي قرابة سبع سنوات، باستثناء فترات قصيرة مستثناة نزلت فيها الاسعار عن 80 او ارتفعت عن 100. وفي أواخر 2014 بدأت الأسعار في الهبوط إلى حد الانهيار. ففي غضون شهور وصلت إلى مستويات 30- 40 دولارا وبقيت كذلك إلى عهد قريب. وكان لها أن تبقى منخفضة في هذه المستويات لولا اتفاقات على خفض الإنتاج، والتي رفعت الأسعار لتدور الان حول 60 دولارا كما هو معروف.
هل ما حصل للنفط، سيحصل لكل سلعة ارتفعت أسعارها كثيرا خلال سنوات قليلة مثلا إلى الضعف أو عدة أضعاف وبقيت كذلك خلال سنوات قليلة؟ لا، ليس بلازم.
هناك قائمة من السلع الغالية، التي ارتفعت أسعارها كثيرا تجاوز معدل التضخم بمرات، ومازالت مرتفعة لسنوات، وتتعرض بين وقت وآخر لتذبذب أو نزول في الأسعار لكنه لا يصل إلى حد الانهيار. وظروف الارتفاع والانخفاض أو التذبذب في أسعارها تختلف باختلاف ظروف أماكنها وأسواقها. من الأمثلة الذهب والأراضي داخل المدن الكبيرة في بلادنا وفي غيرها من دول العالم.
السؤال لماذا لم تنخفض أسعار هذه السلع بنسبة 50% أو أكثر مقارنة بأسعار اليوم. مثلا لماذا لا تعود أسعار الأراضي داخل المدن الكبيرة في الدول وخاصة في تلك التي شهدت توسعا كبيرا في اقتصادها ومساحة وسكان مدنها الكبيرة، لماذا لا تعود إلى مستويات سعرية قريبة من التي سادت قبل 20 سنة مثلا؟
أكبر مانع هو وجود الطلب الكامن latent demand. ويقترن بالطلب الكامن فهم التكاليف الحدية.
يعني الطلب الكامن latent demand وجود رغبة قوية في الحصول على السلعة بكمية و/أو مواصفات كذا، ولكن منع من الحصول عليها نقص المعلومات أو ضعف القدرة الشرائية. وهذا الضعف ليس مطلقا، بل نسبي، كل بحسبه. المشكلة أن العرض الذي سيكون متاحا من السلعة غير كاف لتلبية الطلب لو انهارت أسعار تلك السلعة. وهذا مما يفسر استمرار الارتفاع الحاد في أسعارها.
أما إذا افترضنا أو تخيلنا إمكان توفر عرض كاف حتى مع الأسعار الرخيصة، بسبب مثلا تطوير تقنية تخفض التكاليف، أو اكتشاف بدائل كافيه أو منافسة أرخص، أو حصول انهيار في الاقتصاد برمته، فإن الأسعار ستنهار. وهذا ما حصل لبعض التقنيات. كما حصل للنفط عندما طاحت أسعاره قبل نحو ثلاث سنوات. فقد طورت تقنيات تخفض تكاليف استخراج النفط، وجرى التوسع في إنتاج نفط منافس للتقليدي وهو النفط الصخري. لكن حصول ارتفاع نسبي في التكاليف الحدية ساعد جزئيا على ارتفاع واسترجاع بعض أسعار النفط بعد الانهيار.
ما فكرة التكاليف الحدية؟ تعني تكلفة إنتاج أو توفير كل وحدة أو كمية إضافية من السلعة أو الخدمة. والملاحظ أن التكاليف الحدية ترتفع مع اتساع الانتاج أو زيادة الطلب ومعه نمو أي ازدياد حجم الاقتصاد. وفي هذا يلاحظ أنها ترتفع بشدة مع توسع المدن، بما يسبب ارتفاع حاد في أسعار الأراضي داخل المدن الكبيرة خاصة التي سكانها بالملايين. وليست هي العامل الوحيد لارتفاع هذه الأسعار. ولكنها ليست عاملا ثانويا، بل عامل مهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال