الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لقد أوجدت السوق الاقتصادية الحرة الغاب الحيواني من جديد. وفي هذا الغاب يفترس الأقوياء الضعفاء، فالمنشآت الكبرى تسحق الصغرى، والعمالقة الضواري في المجتمعات المتعددة الجنسية يستولون على العالم ويفلتون من كل رقابة من الشعوب. وفي مثل هذا العالم، ثلاثة مليارات من البشر مُستغلّون ، وملياران منهم جائعون.
وتلعب الدعاية والإعلان دوراً رئيساً كطقسٍ جنونّي في النمو الاقتصادي. فهو طقس مكلّف 40 مليار دولار سنوياً، وهو خصوصاً طقس مبذّر، فهذه الدعاية تلعب دوراً مخرّباً بالنسبة للبيئة والبشر كذلك، كما تلعب الدعاية، بسبب من طابعها التنويـمي دوراً أكبر في تبليه الإنسان وتكييفه.
إن الدعاية تشكل عدواناً دائماً على الإنسان الذي تخضعه لقصف من الأنباء الكاذبة وتثير فيه شهوات وهمية غير محدودة، سواء بشكل مباشر كالإعلان بالنيون وكتكييف السلع ومستهلكيها، أو بشكل غير مباشر في الفيلم، أو الرواية أو الإذاعة المتلفزة، حين تقدم نـماذج من السلوك الـمترف السهل الذي يُقاد المشاهد، على نحو خفي إلى تقليده أو الحصول عليه بكل وسيلة، حتى ولو بالجريمة.
في هذا العالم الاستهلاكي – كما يقول ادغار موران – لا يُقاد مجتمعنا بعقلانية اقتصادية وإنما يُقاد مدفوعاً بجدلية الحاجات التائهة والقوى العمياء.
إن مجتمع النمو هو مجتمع جرائمي، ويؤكد هذا نادي روما حيث يشير إلى أن باستطاعتنا أن نعزو إلى النمو انحرافات اجتماعية من مثل إدمان المخدرات السامة، وازدياد نسبة الإجرام وخطف الطائرات، ونُـذُر حرب عالمية ثالثة، والسلب بالقوة، والابتزاز.
إننا لم نقدّم حتى الآن إلا أمثلة مميّزة عن النمو الوحشي، أي نـموّ مجتمعات تتطور بشكل فوضوي، محتقرة البيئة والبشر ومستقبلهم، من غير أية رؤية متكاملة للحفاظ على الكرة الأرضية وسعادة البشر، ومتنامية سرطانياً وفق شهوة الربح أو إرادة القوة لدى الأقوى.
هذه الإثارة التي هي اليوم روح مجتمع الـنمو الأعمى الغربي، قد قلبت في نهاية القرن الماضي نظام مجتمعات العوز الذي ساد قروناً عديدة.
إن ما يسمّى سياسة النمو هو سياسة غايتها تشغيل الآلة، حتى ولو كانت آلة بلا فائدة أو ضارة أو مميتة. إن هناك مبدأً واحداً غير معترف به – على حد زعم المفكّر الفرنسي روجيه غارودي – فكل ما هو تقني ممكن، هو ضروري ومرغوب فيه: صنع قنابل ذرية، السفر إلى القمر، تدمير المستقبل بالنفايات الإشعاعية النشاط في المولدات النووية.
إذن: نـموّ لـماذا. ونـموّ لِـمَـنْ؟! إنه نـموّ – كما يقول بعض الـمفكرين – من أجل إرباح بعض الأفراد بالتلاعب بالجميع وبتكييفهم.
ومن ثمّ، فليس صحيح أن النمو الاقتصادي يسمح بتجاوز الأزمات، فهو يحدثها، إنه يقود إلى توزيع الامتيازات بشكل متفاوت.
وليس صحيح كذلك أن بالإمكان وقف النمو في حين لا يـملك مليارات البشر في العالم الثالث وملايين البشر في البلدان الغنية أية وسائل حياة إنسانية.
ليس الأمر وقف النمو، بل توجيهه لخدمة الإنسان.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال