الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
انتشر مؤخراً عن طريق وسائل الإعلام و التواصل الإجتماعي كمية رسائل يتم تأليفها و نشرها من مصادر يعلم الله كيف تبدأ وأين تنتهي و في الغالب يصعب تحليل الدوافع من وراءها. و لعل أشهر رسالة انتشرت (بمقاييسي لأنها وصلتني من أكثر من مصدر) هي رسالة ارتبطت بصورة شهيرة تم التقاطها داخل أحد فروع ستاربكس في نيويورك لشخص شهير حاملاً كوب قهوة تقول”ارتفع أمس سهم ستاربكس 44 نقطه وزادت الارباح 58 مليون دولار= 217 مليون ريال. لو دفعت ستاربكس الملايين على الدعاية ما حصلوا مثل هذه اللقطه”.
في البداية و كعادتي في الانتباه الى التفاصيل نويت الذهاب فوراً لرؤية تفاعل سهم ستاربكس مع الصورة لكني توقفت للحظة لأننا لا نعلم من الأساس اللحظة الدقيقة التي تم فيها خروج هذه الصورة ووصولها الى المساهمين. وهل كانت خلال أوقات التداول في نازداك أم بعده؟ عوامل متفرقة لا تمكننا من ربط الحدثين ببعض، لكن ليس هذا ما لفت انتباهي. ما لفت انتباهي هو كلمتي “زادت الارباح” و”دفعت الملايين على الدعاية” فقلت في نفسي بأن هذا الإرتفاع في قيمة السهم لا يعتبر زيادة في الأرباح! بل أن هذه الزيادة في القيمة السوقية (Market Capitalization) لن يتم تقييدها في الدفاتر ولن ترى النور على القوائم المالية للشركة على الإطلاق.
نعم تستفيد الشركات من ارتفاع قيمة المؤسسة (Enterprise Value) مما يسهل على المحللين الماليين و المصرفيين استخدامها كمعيار للمقارنة مع الشركات الأخرى. لكن الطريقة الوحيدة التي قد يستفيد أي مستثمر من هذا الارتفاع في قيمة السهم هو أن يكون قد باع اسهمه في ستاربكس بعد ارتفاعها لمستثمر آخر قرر الشراء بناءاً على تحليله الشخصي بأن السهم إما سيواصل الإرتفاع أو ستقوم الشركة بتوزيع أرباح نقدية أو سهمية مقبولة بالنسبة لشهيته كمستثمر.
نأتي هنا الى الشطر الثاني من الرسالة و التي تحمل خطأ منتشر في مصطلح تسويقي وهو أن “تدفع على دعاية”. هناك مقولة بأن (الإعلان هو ما تدفع له و الدعاية هي ما تدعي من أجله). بمعنى أن الشركات ترصد مبالغ سنوياً و تعين شركات إعلان و تدفع مبالغ على حملات اعلانية من أجل تسويق منتجاتها أو خدماتها أو تعزيز علامتها التجارية. لكن هذه المبالغ لا يمكن أن ترصد من أجل دعايات. الدعاية تكون غير مدفوعة و تحدث مثلاً عند انتشار صورة لشخص شهير وهو يمسك أو يستهلك منتج شركة معينة لإستخدامه الشخصي دون أي مبالغ تقاضاها من أصحاب المنتج. أو مثلاً أن ترى مقابلة على الهواء لشخصية ما فتمر بالصدفة من الخلف سيارة تسير في حال سبيلها تحمل شعار شركة معينة. الموقف الحاصل هنا يعتبر دعاية للشركة بدون أن يكلفها ريالاً واحداً مما يعود بشكل ايجابي أو سلبي – بحسب نوع الحدث -على قيمة علامتها التجارية.
فالسؤال الذي نريد معرفته هو كيف يمكننا القضاء على مثل هذه الرسائلالغير مدعمه بأبسط الحقائق العلمية أو الإستثمارية و نشر ثقافة استثمارية واسعة النطاق؟ الجواب يكون في نظام تعليمي يحوي طابع إدارة أعمال. تخيلوا لو أن جميع طلبة المدارس تعلموا أساسيات ومبادئ إدارة الأعمال بدون إقحامهم في تفاصيل نظرية الاقتصاد الكينزي أو طريقة تقييم الأسهم بحسب التدفق النقدي المخصوم (DCF) أو حتى الفرق بين كلمتي اعلان و دعاية.
مجرد مادة واحدة خلال المرحلة الثانوية تدرس و توعي الطلبة عن اساسيات الادارة و التجارة. بهذا الشكل سيصبح لدينا جيل واعي ليس فقط عن الضرر من نشر الشائعات لأن ضرر الشائعات يمكن تدريسه حالياً بالمقررات الموجودة. و لكن سيصبح لمؤلفي رسائل الواتساب الذين لن يتم القضاء عليهم بسهولة معنى اقتصادي و حس تجاري أعمق فتكون ذات قيمة أكبر قد تعود ببعض الفائدة على المجتمع. حينها فقط سيقف المواطن وموظف البلدية في وجه العامل المتستر فيمنعه من تعليق لوحة مركز تسوق و يسميه بكل أريحية “مركز تسويق”.!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال