الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعتبر حقوق الملكية الفكرية عاملاً مهماً في التنمية الشاملة لجوانب الحياة كما تساهم بشكلٍ فاعل في قيادة عجلة التقدم والتطور لأي أمة، وبالتالي فهي تشكل هاجساً لكثيرٍ من دول العالم اليوم. ويرجع السبب في ذلك لكون هذا النوع من الحقوق قد غير الكثير من شكل الدولة الحديثة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وحتى السياسية والحقوقية.
ففي السابق، كان يتم تقييم ثروات الدول من خلال قياس ما تملكه من موارد طبيعية. أما اليوم فإن مقياس غنى الدولة من عدمه لا يتم من خلال ما تملكه من الثروات الطبيعية فحسب، بل تعداه إلى أن أصبحت هنالك عوامل أخرى تُقاس بها، من أهمها هو امتلاك الحقوق الفكرية. فعلى سبيل المثال، هناك العديد من الدول التي تملك ثروات طبيعية إلا أنها تُصنف على أنها دولاً فقيرة رغم امتلاكها كماً هائلاً من هذه الثروات. وفي المقابل نجد بأن اليابان تتربع على المرتبة الثالثة كأحد أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة والصين، على الرغم من أنها لا تمتلك إلا الشيء القليل من الثروات الطبيعية. كما تُعد التجربة اليابانية في امتلاك الحقوق الفكرية مصدر إلهام لكثير من الدول في عالمنا اليوم.
فعلى سبيل المثال، يوجد شركات يابانية في عدة مجالات مختلفة منها مجال الأدوية وتكنولوجيا المعلومات وصناعة السيارات التي استفادت من تغيير سياسات الملكية الفكرية وحققت فوائد منذ العام ١٩٩٩م. ففي مجال تصنيع السيارات استفادت شركة تويوتا من الملكية الفكرية في عدة مجالات وخاصةً فيما يسمى بـ patent portfolio وهي عبارة عن محفظة مخصصة لبراءات الاختراع يملكها كيان واحد قد يكون المالك فيها فرد أو شركة. ولهذه المحفظة فوائد مالية ومعنوية مصدرها الاستفادة المالية من ترخيص الحق الفكري. كما تتميز الشركة بأن تصبح المحرك الأول في السوق الأمر الذي يمنحها السيطرة على المنتج في السوق في مواجهة منافسيها. كما تشكل المحفظة جزءاً كبيراً من القيمة الإجمالية للشركة. وعلى صعيد تكنولوجيا المعلومات حققت شركة سوني عوائد ضخمة عن طريق ما يسمى بـ patent pool وهو عبارة عن صندوق مشترك لبراءات الاختراع يجمع بين شركتين على الأقل يتم من خلاله الاتفاق المشترك على منح التراخيص لبراءات الاختراع في مجال تكنولوجيا محدد. وفي حال اتفاق الشركات، فإنه يجوز لكل منهم أن يستعمل البراءة التي يملكها الآخر. وهذا من شأنه أن يوفر الوقت والمال للمُرَخص له باستخدام البراءة. وبالتالي تعتبر الملكية الفكرية واحدة من أهم العوامل لنجاح سوني الحالي.
وعلى هذا الأساس، فإن التباين بين البلدان التي تهتم بحقوق الملكية الفكرية عن تلك التي لا تولي هذا الجانب الأهمية الاقتصادية أو الحقوقية قد أدى إلى تقسيم العالم إلى فئات مختلفة يُبنى أساسه على ما تملك الدولة من الاختراعات والإنتاج العلمي وغيره. لذا، تعتبر حقوق الملكية الفكرية أحد أهم الأسباب التي يُعزى لها في تصنيف الدول على أنها متقدمة عن غيرها. ومن هذا المنطلق، نستطيع أن نعرف بأن الملكية الفكرية تعتبر أحد العوامل ذات الأهمية القصوى التي تدعو إلى التنافس بين البلدان. فامتلاك الدول المتقدمة لحقوق الملكية الفكرية قد عزز من مركزها بين الدول الأخرى الأمر الذي ترتب عليه ممارسة تأثيرها السياسي على المجتمع الدولي ككل.
إن أهمية الحقوق الفكرية تتجلى حينما نستوعب بأن صراع الدول الحديث يكمن في امتلاك هذا النوع من الحقوق وصيانتها، وبالتالي فهو صراعٌ علمي وتقني واقتصادي، بعد أن كان صراعاً يتمثل في سطو الأقوى على ثروات الأضعف الطبيعية. فمن يمتلك الحق الفكري اليوم سواءً كان على شكل إنتاج علمي أو اختراع أو غيره، فإنه حتماً سوف يمتلك الأداة والألة التي تحدد المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدولة. لذلك، تعتبر قوانين الملكية الفكرية من أهم القوانين التي تسنها المجتمعات على اعتبار أنها واحدة من أقوى أركان التنمية الثقافية والعلمية والاقتصادية التي تسعى العديد من الدول إلى حمايتها من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن التوصل إلى اتفاق قوي حول حقوق الملكية الفكرية في مفاوضات جولة أوروغواي كان هدفاً مهماً للولايات المتحدة. والسبب في ذلك يعود إلى أنها رأت بأن الملكية الفكرية هي مستقبل صناعات التكنولوجيا والنمو الاقتصادي والصناعي الحقيقي في الولايات المتحدة، وبذلك استطاعت تحديد الضرر الاقتصادي الكبير الذي نجم عن انعدام الحماية وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية في العالم والذي أثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي، مما حداها إلى جعل إدراج الملكية الفكرية في حزمة مفاوضات جولة أوروغواي هدفاً رئيسياً، ومن ثم اقتراح اتفاقية تربس كأحد اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
وأخيراً، إن الهدف من نظام الملكية الفكرية هو تعزيز التقدم الثقافي والاقتصادي من خلال تطوير وتنفيذ القوانين والمعاهدات الدولية المتعلقة بها لمنع انتهاك الحقوق، وتشجيعاً للابتكار والإبداع وخلق المعرفة. ومما لا شك فيه، بأن المملكة اليوم تقوم على عدة برامج لتنويع مصادر الدخل ادراكاً منها بأن امتلاك الثروات الطبيعية وحده غير كافي. وهنا يجب القول بأن امتلاك الحق الفكري وحمايته اليوم يُعد صناعةً تستطيع المملكة من خلاله أن تحقق مراكز متقدمة في تصنيف ما تملكه من الحقوق الذي من شأنه تعزيز التقدم الثقافي والاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة. وهذا يتم عن طريق توفير المنافسة المشروعة وتشجيع الابتكار والاختراع وإيجاد بيئة صحية للمعرفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال