3666 144 055
[email protected]
على مدى سنوات طويلة والتغيير في التعليم العام يكاد يكون سنويا، والتعليم الثانوي أكثر المراحل الدراسية تغيرا وتقلبا ، ومر بمراحل كثيرة وتغيرات سريعة جدا ، أجزم أن قياس أثر بعضها مستحيلا لسرعة التغير فيها . وفي بعض مراحل التغيير في المرحلة الثانوية كان يظهر مسارا لدراسة العلوم الإدارية مع ثبات المسارين العلمي والأدبي أو (الشرعي) ، فقد بدأ كمواد لتأهيل الموظفين ، ثم ثانوية منفصلة تتبع التعليم المهني تحت مسمى (الثانوية التجارية) ، ثم قسم منفصل في الثانوية المطورة ، وأخيرا مسار ضمن الثانوية بالنظام الفصلي ، وبعض مواد بسيطة جدا في الثانوية بنظام المقررات .
وقد اتخذ مؤخرا قرارات بإلغاء الثانوية بنظام الفصلي والعام وتعميم نظام الثانوية بنظام المقررات ، مع إلغاء المسار الإداري فيها ، والذي يشمل أهم التخصصات الإدارية (الإدارة بأنواعها ، المحاسبة ، والاقتصاد ، ومواد عن ثقافة العمل وأنظمته ) . وبرأيي أن قرار إلغاء المسار الإداري في الثانوية العامة بنظام المقرارات الذي سيصبح النظام الوحيد في جميع المدراس الثانوية قرارا غير حكيم ويخالف توجهات رؤية السعودية 2030 وحاجة سوق العمل ، للأسباب التالية:
أولا هذا المسار يخدم مسارات علمية مهمة جدا في المرحلة الجامعية، ولا يوجد ما يخدم تلك التخصصات غير المسار الإداري ، في حين أن التخصصات العلمية والأدبية تخدمها مواد منذ المرحلة الإبتدائية والمسارين العملي والأدبي في المرحلة الثانوية .
ثانيا تخصصات ذلك المسار في الجامعات تستوعب معظم طلاب المرحلة الثانوية ، كالاقتصاد والمحاسبة والإدارة العامة والإدارة المالية وإدارة الأعمال والتسويق والقانون وغيرها ، وتعرّف الطلاب على تلك التخصصات في المرحلة الثانوية يسّهل عليهم دراستها في الجامعة ، والتميز فيها علميا وعمليا. والأهم التوجه لتلك التخصصات المهمة من وقت مبكر ، بدل الإرهاق في المسار العلمي الذي لا يرغب به الطالب، أو الدراسة غير المجدية في المسار الأدبي ، ومن ثم الإرهاق في البحث عن تخصص مناسب في الجامعة .
وثالثا تعد تلك التخصصات من أهم التخصصات في سوق العمل ومن أكثرها طلبا ، فالمحاسبة على سبيل المثال يعاني سوق العمل من عجز كبير جدا في عدد السعوديين المتخصصين فيها ، هذا قبل فرض ضريبة القيمة المضافة ، وبعد الضريبة سيزداد العجز أكثر . وقد استعرضت في مقالين سابقين المشاكل التي يعانيها المحاسب القانوني ، منها قلة عددهم بل وندرتهم . كذلك الحاجة للتخصصات المالية والاقتصاد والقانون والتسويق ، وكلها تخصصات مطلوبة في سوق العمل حسب ما أعلنت وزارة العمل عن أهم التخصصات الثمانية المطلوبة في سوق العمل السعودي ، وتتماشى مع رؤية السعودية 2030 . بل إن العاملين في المجالات المالية والإدارة التنفيذية في سوق العمل السعودي من أعلى الأجور في السوق ويتفوقون في الأجر على المهندسين والأطباء في حالات كثيرة ، وهذا ما لا يعرفه معظم الشباب السعودي وطلاب المرحلة الثانوية تحديدا .
ومن الأفضل علميا والأجدى اقتصاديا أن يقوم الطالب بدراسة تلك التخصصات من وقت مبكر ، فليس من المنطق حجب معارف تلك التخصصات عن الطالب حتى دخول الجامعة . والمؤسف أن تلك التخصصات الإدارية المهمة خارج حسابات طلاب المرحلة الثانوية لجهلهم بها قبل المرحلة الثانوية .
أخيرا ما لا يقل عن 25٪ من خريجي الثانوية العامة يتجهون إلى سوق العمل ، ومن المؤكد أن الطالب الذي يتجه لسوق العمل ولديه مهارات محاسبية وإدارية ومهارات عن ثقافة العمل والعمل الإداري ، سيكون أقدر من غيره على إتقان العمل ، وسيكون مهيئا للعمل مايجعله مطلوبا من أرباب العمل . ويمكن توجيه الطلاب الذي يرغبون في العمل بعد المرحلة الثانوية لذلك المسار الذي سيساعدهم على إيجاد أعمالا تناسبهم في السوق أسرع من غيرهم .
ربما كان للعجز في المعلمين المتخصصين في المجالات الإدارية سببا في إلغاء ذلك التخصص ، لكني اعتقد أنه يمكن التكيف مع هذا العجز في البداية ، من خلال أعداد الفصول التي تفتح في ذلك المسار حتى يتم تعيين العدد الكافي من المعلمين المتخصصين ، لأن إلغاؤه يعني مزيدا من العجز في المعلمين ومزيدا من إقصاء هذا المسار العلمي المهم جدا على العالم .
إلغاء المسار الإداري يخالف منطق التوجه الجديد للسعودية كما رسمته رؤية 2030 ، ويخالف متطلبات سوق العمل من خلال الإحصاءات التي تؤكد الفائض الضخم في التخصصات الأدبية والعجز في التخصصات العلمية والمالية والإدارية .
أتمنى على وزارة التعليم التفكير بجدية في جعل المسار الإداري أحد مسارات الثانوية العامة فهو ضرورة وليس ترفا.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734