الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ليس من السهل كتابة مثل هذا المقال ، فمن يقف مع البنوك ضدالمواطنين ، ويصطف مع الأغنياء في مقابل الفقراء ، ويدعم الشركاتعلى الأفراد ؟؟ بالتأكيد أن من يفعل ذلك يقف في الجانب الخاطيء . لكن هل يمكن أخذ ايقاف الخدمات بهذه البساطة والسطحية فعلا ؟ مواطنون وبنوك ، أغنياء وفقراء ، شركات وأفراد ؟ أم أن لهذه القضية الشائكة وجه أخر يمكن النظر إليه ؟ هذا ما أحاول طرحه في هذاالمقال ، وأعلم أنني أقوم بمغامرة كبيرة .
بلغ إجمالي القروض الإستهلاكية 318351 مليون ريال بنهاية عام2017 ، وهذا الرقم الضخم للقروض الإستهلاكية عند أعلى مستوى له في خمس سنوات ، وهو ما يعني أن المجتمع يتجه إلى زيادة قروضه الإستهلاكية حتى في أوقات الأزمات المالية ، وإجمالي قروض بطاقات الائتمان 12095 مليون ريال ، وقد قفزت قروض البطاقات الائتمانية 30٪ خلال خمس سنوات من 8509 مليون عام 2013 ، وهذا مؤشر أخر أن المجتمع يتجه نحو رفع وتيرة القروضالإستهلاكية .
لا ننكر أن الكثيرون من أفراد المجتمع بحاجة للقروض الإستهلاكية ،ولن تستقيم حياتهم إلا بالحصول على تلك القروض ، لكن أن تقفز القروض من أجل السفر والسياحة أكثر من 95٪ خلال أربع سنوات فقط من 103 مليون ريال 2014 إلى 2338 مليون ريال عام 2017 ، فهذا ليس أمرا طبيعيا ولا منطقيا ، بل إنه عبث إستهلاكي ، وإستهتار في التعامل مع القروض .
لا أبرئ البنوك والشركات المالية وبعض شركات التقسيط من ذلك العبث وذلك الإستهتار في التعامل مع القروض ، فقد استغلت حاجة الناس وجهلهم كما قال الاستاذ عبدالعزيز السويد في تغريدة له ، وممارسة الدعاية المخادعة لإيقاع الناس في القروض الإستهلاكية السهلة ، لكن كل إنسان له صفة اعتبارية وبكامل أهليته يعد مسؤولا عن تصرفاته ، فلا يعذر بالجهل إلا فاقد الأهلية إما لصغر أو هرم أو فقدان عقل لأي سبب ، وإيقاف الخدمات يتم بناء حكم قضائي وليس إجراء إداريا من أي جهة حكومية ، وهذا يعني أن الحكم لم يصدر إلا بعد إستيفاء كافة المسوغات الشرعية والقانونية الموجبة لصدورة .
ظل المجتمع السعودي لعقود يتعامل مع القروض بتساهل كبير يصل حد الإستهتار من البعض ، والقروض الإستهلاكية على وجه الخصوص ، وايقاف الخدمات حل مؤذي جدا ولا نتمناه لأحد ، لكنه أخر العلاج ولابد منه ، فيجب إيقاف أولئك الذين كلما خطر ببالهم شيء اقترضوا من أجله ، ومن يستسهلون القرض ولا يحسبون حساب السداد ، ومن لا يبالون بحقوق الناس ، وأسهل ما لديهم الحصول على صك إعسار وأكل أموال الناس بالباطل .
وتحذير المندفعين للقروض بدون إهتمام ، أن هناك إجراءات مستقبلية مؤلمة إن لم يتم السداد ، فصك الإعسار ومحدودية الدخل لم تعودا عذرا للإستهتار بالقروض ، ويجب أخذها بجدية ووعي كاملين .
إيقاف الخدمات برأيي يحمي الاقتصاد والنظام المالي من الغرق في الديون المعدومة ، وحماية المجتمع من نفسه ، وخفض وتيرة الإستهلاك والاقتراض ، ودعم توجه المجتمع للإدخار ثم الإستثمار لتحقيق رغباته ، بدل استخدام الطريق الأسهل بالإقتراض . وأخيرا حماية حقوق المستثمرين الصغار من مجرمي الدين وعدم السداد فهناك كثير من المستثمرين المتضررين من أولئك المستهترون بالقروض والديون ، وهم مواطنون لهم حق الحماية أيضا .
رُفع في الرياض وحدها 400 ألف دعوى قضائية ، صدر إيقاف بحق 50 ألف فقط ، وهذا يظهر حجم الكارثة على مستوى الوطن ،فإن كانت كل هذه القضايا في الرياض فقط فماذا عن كامل الوطن وكما تظهر الأرقام محاولات القضاء التخفيف عن المقترضين المتعثرين من ذوي الدخل المحدود ، فمن أوقفت خدماتهم في الرياض يمثلون 12٪ فقط من إجمالي القضايا المرفوعة .
اعتقد أن إيقاف الخدمات سيكون رادعا كافيا للمستهترين والمتهورين وغير المهتمين من المقترضين وأصحاب الديون بأن يفكروا في المخرج قبل المدخل . لكن يجب على مؤسسة النقد ووزارة المالية ووزارة التجارة إعادة النظر في إجراءات الإقتراض والديون و تحديدا القروض الإستهلاكية بكافة أشكالها ، من حيث شروط الإقتراض ورفع الدعاوى وإيقاف الخدمات وإعدام الديون ، فلا يجب أن يترك الحبل على الغارب للبنوك والشركات المالية وشركات التقسيط للبحث عن الربح السريع ، ويتحمل المواطن وحده عبء كل تلك المشاكل والأخطاء وحده .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال