الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثيراً ما نسمع أو نقرأ في الصحف وغيرها عن أهمية الشفافية كأحد مبادئ الحوكمة في القطاع العام، فما أصل هذا المفهوم؟ ومن أين أتى بشكله الحديث؟
عند تعقب هذا المفهوم نجد أنه نشأ في القرن الثامن عشر ميلادي لما يعرف بعصر التنوير في أوروبا. كانت الحكومات في العالم الغربي خلال تلك الفترة تتبع مبدأ السرية في جميع تعاملاتها وقراراتها وكانت ثقافة السرية والغموض في القطاع الحكومي هي الثقافة السائدة في ذلك العصر؛ حيث اقتصر دور المواطنين في تلك الحقبة على المشاهدة عن بعد دون مشاركة فعالة في عملية اتخاذ القرار ودون أدنى معرفة بالمعلومات الرسمية المؤدية لتلك القرارات خلف الأبواب المؤصدة.
قامت بعد ذلك حركة سياسية واجتماعية وثقافية وفلسفية كبيرة في أوروبا تدعو بشكل أساسي إلى إعمال العقل وحفظ الحريات، ومن خلالها نشأت وشكلت مفاهيم الشفافية وحق الحصول على المعلومات كجزء من الحريات والحقوق التي يجب أن يكفلها القانون الطبيعي للأفراد. وفي مملكة السويد كان قد تم الوصول إلى أبعد من ذلك، حيث تم تبني هذه المفاهيم كقوانين رسمية يعمل بها في البلاد فيما يعتبر قانون حرية المعلوماتفي عام ١٧٦٦م. كان هناك مقاومة من بقية الدول الأوروبية تمثلت في إصدار بعضها أنظمة وقوانين تحارب الشفافية في القطاع الحكومي كـ (قانون الأسرار الرسمية 1889- Official Secrets Act)في المملكة المتحدة وتبعتها في ذلك كثير من الدول كنيوزيلندا وإيرلندا. ومر ما يقارب القرنين من الزمن قبل أن تؤتي تلك الحركة ثمارها في بقيةالدولحيث تم إصدار قوانين تتبنى حرية المعلومات والشفافية والحكومة المفتوحة في كل من فنلندا والولايات المتحدة الأمريكية عامي ١٩٥١م و١٩٦٦م على التوالي لتقوم بعد ذلك دول كثيرة في اتباعهم واحدة بعد الأخرى بشكل متسارع في جميع أنحاء العالم.
كان لتطبيق تلك القوانين آثار إيجابية على تلك البلدان، فكان لإقرار ما كان يسمى بـقانون المعلومات الرسميةالذي يدعم الشفافية في نيوزيلندا أكبر الأثر على الخدمة العامة في البلد واعتبره أحد مفوضي خدمات الدولة السابقين أهم الإصلاحات خلال مسيرته العملية. وكما نرى فإن أول الدول في تبني مثل هذه القوانين هي نفسها الدول التي كانت (ولا زالت) تحتل الصدارة في مؤشر مدركات الفساد خلال سنوات عديدة كأقل الدول في معدلات الفساد.
قد يعتقد البعض أن المعلومات التي تتطلب قدر من الشفافية هي فقط المتعلقة بهيكل الإدارة والبيانات المالية في المؤسسة، لكن مفهوم الشفافية أوسع من ذلك بحيث يشمل أي بيانات أو معلومات رسمية لا يترتب على مشاركتها أضرار على المؤسسة أو انتهاك للحريات، وفي الغالب أن في إتاحتها للعامة فائدة على فعالية المؤسسة والمجتمع ككل. ففي مدن مثل بوسطن ودبلين ونيويورك يتم إتاحة كمية كبيرة من المعلومات للعامة ابتداءً من نتائج تفتيشات الصحة وحتى تصنيفات مستوى أداء المدارس. وفي نيوزيلاندا على سبيل المثال كان من النادر للطلبة في السابق بأن يروا ورقة الاختبار بعد تصحيحها ولكن بعد إقرار قانون المعلومات الرسمية تغير الإجراء بحيث أصبح يتم إرسال ورقة الاختبار للطالب حال طلبها.
بالنسبة للمملكة هناك بعض المبادرات من بعض المسؤولين لرفع مستوى الشفافية في الجهات التي يعملون بها، لكنها لا تعدو أن تكون جهود فردية إن صح التعبير وقد تنتهي بانتهاء فترة عمل ذلك الشخص ليأتي آخر بتوجه آخر مختلف بحيث يكون في توليه انتهاء عصر الشفافية في تلك المؤسسة. وكما يقال، المعلومات قوة، ومتى ما كانت المعلومات مقدمة إلى المواطنين بطريقة واضحة وسهلة الوصول وفي الوقت المناسب وبصفة مستدامة زاد ذلك من مقدرتهم على طرح الأسئلة المناسبة، والرفع من جودة أداء العمل الحكومي وتحسين جودة القرارات المتخذة في جميع مستويات الحكومة، لكن هل يمكن أن يحدث ذلك بدون قوة قانون؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال