الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا نختلف أن هناك بطالة لا بد من حلها، وأننا أمام مخاطر متعددة، أنما نختلف في طريقة حل هذه المشكلة، لأننا نرى أن قرارات الوزارة تزيد البطالة لا تحلها، بل وتعقدها، ثم أن البطالة إرث سنيين عديدة، وأسبابها مختلفة، ولابد من حلول ابداعية تراعي واقع السوق وواقع قطاعات الأعمال كلها، وواقع المواطن طالب العمل من مستوياته التعليمية الى مستويات دخله وسلوكه في العمل، وسلوكه الاجتماعي ومدى وعيه بطرق ايجاد الفرصة الكبرى، والتي تبدأ من الخطوة الاولى التي لا يراها الآن إلا وظيفة لا تناسبه اطلاقاً.
عليه فإن ما نراه اليوم ليس الا قرار لم يستند على كل هذه الوقائع، وإنما مجرد قرار يضغط لتعديل نسبة البطالة من ١٢% إلى١٠% عام ٢٠٢٠م، وصولاً الى ٧% عام ٢٠٢٥م، دون مراعاة للآثار الجانبية ومدى خطورتها على الاقتصاد بشكل عام والمواطن بشكل خاص، فلاتوجد دراسة معمقة تلمست كل هذه الجوانب انما مجرد توقعات للوزارة تفترض صحة ذلك ومن ثم ترقب النتائج وليس العلم بها مسبقاً بناءً على دراسة علمية محايده تنظر الى الواقع كما هو وكما يجب ان يكون مع الآخذ بالاعتبار بكل الجوانب وتفاصيلها والتي اجزم انها غائبة هنا..
آنا هنا لا أزعم أنني أملك الحل، ولكنني أجزم أنني أكتب من واقع السوق الذي عشت فيه طويلاً، وعن الاقتصاد ككل، وبالتالي لا أتطفل على الموضوع ولا المعلومة فيه، ويعلم الله أنني لا ابتعد عن الشفافية والحيادية. واقدم الراي عسى ان استفيد قبل آن افيد. من النقاش الصريح والشفاف بحب الوطن ومصلحته.
لذلك علينا أن ندرك جميعاً أننا أمام فرصة ذهبية كبرى للنهوض بكامل الاقتصاد، وليس حل البطالة فقط، فهناك رغبة عليا يقودها الامير الشاب محمد بن سلمان بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظهما الله، وسموه رجل مهمات نادر، ويتحدث لغتنا الاقتصادية بكل تمكن، سموه يرى أن هناك استحقاقات سابقة وفرص كان من المفروض استغلالها.
قبل أن اتحدث عن قطاع التجزئة وتوطينه كأحد حلول البطالة، دعوني اولاً أؤكد على حقيقة هامة، وهي أن وزارة العمل مظلومة بتحملها ملف البطالة منفردة، ففي دول العالم قاطبة البطالة ملف وطني للجهاز الحكومي كله، وتأتي معالجة البطالة ضمن أهداف متعددة تكمل الوزارات فيها بعضها البعض، نجاحا أو اخفاقا، ويمكن الوصول للأهداف بسياسات مالية واقتصادية متناغمة، تكون في النهاية سلسلة من الحلول الاقتصادية والمالية ومن ضمنها البطالة، لأن مهمتنا الكبرى ليست فقط البطالة، بل النهوض بالاقتصاد كله وتحويله من ريعي إلى منتج، وهذا مفتاح كل الحلول من خلال سياسات مالية وإعلامية واجتماعية، تقوم بها جميع الوزارات بطريقة متناغمة وتنسيقية وهذا ما نفتقده اليوم .
وزارة العمل لن تصل إلى حل للبطالة إذا حصرتها بالتوظيف الاسقاطي، دون توليد وظائف جديدة واستغلال خصائص الاقتصاد والميزات النسبية للمحافظات، ومن خلال وزارات آخرى، وتحفيز الاقتصاد وتنشيط المؤسسات الصغيرة، أما التركيز على قطاع التجزئة، أو حتى على التوظيف فقط، كمن يريد أن يقود سيارة بعجلة واحدة.
ما نراه اليوم مختلف كليا عن الفرضية الاقتصادية المنطقية، لأن الواقع يقول إن الحكومة تعمل على التحصيل من القطاع الخاص قبل أن يعدل القطاع الخاص نفسه ويتأقلم ويستعد ويقف على قدميه، لعل المشكلة التي لا بد من حلها أولا هي إيصال الحقيقة لوزارة العمل بأننا على أبواب حالة ركود اقتصادي تراكمي، أو لعلنا قد بدأنا فعليا.
خصوصاً آن لدينا فسحة مالية جيده ( physical space ) تمكننا من تحفيز القطاع الخاص آولاً ومن ثم الاستفادة منه في عملية التوظيف ودوران الاقتصاد الانتاجي بشكل عام .
ثم أن التغيير الجذري للاقتصاد والعاملين فيه او مايسمى (transformation )، وبخبرتنا المتواضعة فإن هذا النوع من التحول لا يتم إلا في الشركات الخاصة، لأن الشركة ممكن أن تشتري في أي قطاع او منتج آخر بكامل شركاته والعاملين فيه وفي اي دولة، إنما على مستوي الدولة من المستحيل تغيير خصائص الاقتصاد او العاملين فيه جذرياً إطلاقا، إنما ممكن تحسينه وتطويره، وهذا يتطلب جهود متعددة ويأتي في مقدمتها التحفيز والتنظيم والاعلام، الاعلام الذي يساعد على تغير سلوكيات الناس العملية والشرائية بل وأسلوب الحياة والعمل ككل.
نحن نختلف مع الوزارة في النظرة حول توطين قطاع التجزئة، فالوزارة ترى توطينه كاملاً ١٠٠%، لأنها تؤمن أن ٩٥% من سوق التجزئة غير وطني، ونحن نرى أنه يجب التفريق بين توطين البائع وتوطين القطاع، (أرجو التركيز هنا) فاذا كان الهدف توطين القطاع فإن جله مُوَطن مسبقا!! وهذا ما يجب أن تدركه وزارة العمل، أما إن كان الهدف توطين البائع في القطاع، فإننا نتفق مع الوزارة أن جله من الوافدين، السؤال الأهم: كم نسبة المال الوطني المدور والعامل في هذه الدائرة الاقتصادية حتى لو كان البائع أجنبي؟.
والدائرة آلاقتصادية المقصود بها هنا هي، الدكان، المتجر او المعرض الذي يعمل به غير السعودي. السؤال المهم من المستفيدين من المال الدائر في هذه الدائرة؟ وما جنسيتهم؟ وكم نسبة السعوديين المتضررين؟ لو تم اغلاق 50% من هذه المحلات ، والذي لا يمانع في ذلك عددا من كبار المسؤولين في الوزارة حسب تصريحاتهم، لأن لديهم اعتقاد أن الضرر يقع في دائرة المعقول، على أساس أن ٩٥% وافد، وهذا خطأ لأنه لا يتجاوز ٣٠%، إذا دققنا في الدورة المالية فيه وبالتالي لا يمكن إغلاق دائرة اقتصادية بسبب ٣٠ % وافد، وماذا عن ٧٠% الباقي وهو وطني قح، لذلك نحن نرى أنه يقع في دائرة الخطر والنتيجة تدمير للقطاع وليس مجرد ضحايا قرار.
إن قطاع التجزئة نسيج اقتصادي متداخل مع الجميع، وكل خيوطه غير مشعة في عين وزارة العمل، ومن ينظر للمشكلة بشكل سطحي، ولا يرى من هذه الخيوط الاقتصادية إلا خيط واحد فسفوري مشع وهو البائع الوافد، فقط هذا ما تراه وزارة العمل، اما بقية الخيوط فلا تراها للأسف، وهذا الوافد لا يمثل الا ١٠% الى ٢٠% من الدورة الاقتصادية لأي محل او معرض، عدى ذلك فإنه في معظمه وطني قح، الدكان تملكه او يملكه سعودي يقبض الإيجار(جلهم ليسوا من هوامير العقار بل من الطبقة الوسطى )، والبضائع التي بداخله تعود لشركة سعودية، واللوحة خطاط سعودي حتى شركة الكهرباء تستفيد، والبلدية رسوم على كل متر مربع، حتى لو كان متستراً فلن تزيد حصة المتستر عن ٣٠% الى ٣٥% من الدورة المالية لهذه الدائرة الاقتصادية.
هنا وجب ان اوضح بشكل جلي انني لست ضد توطين قطاع التجزئة والعاملين فيه بل اطالب بذلك وبكل قوة انما بالطرق التي لايتضرر منها احد الا في اضيق الحدود الممكنة والمدروسة بشكل علمي وبمساندة مركز ابحاث متخصص .
مهلاً .. حتى لو افترضنا جدلاً أن ما تقوله الوزارة صحيح، وأنها تود نقله من الوافد الى المواطن، فإن قطاع التجزئة الأن يدور بسرعة وتنافسية ومهنية متناسقة ومتناغمة، ويعتمد العديد من المواطنيين في دخلهم عليه ومنفذ لتصريف ماتصنعه المصانع الوطنية واي ارباك له تتداعى له ايدي عاملة في مصانع متعددة وكل الخدمات المساندة وبقية اجزاء الدورة المالية المرتبطة به ، وأي تدخل فيه له شروط عديدة زمنية وتقسيمية وخبرة واستعداد وغير ذلك، وآلا سوف نوفر وظيفة مقابل خسارة وظيفتين. لذلك فأن عملية الاستلام والتسليم بين الوافد والمواطن في هذا القطاع ليس بالبساطة التي تتصورها وزارة العمل، ولن يستطيع الموطن الجديد أن يحل بالسرعة المطلوبة، بل ستقطف الفرصة شركة أجنبية كبيرى كما قلنا سلفاً، ولتبسيط الصورة فإن السوق الآن أشبه ما يكون في حالة سباق تتابع حتى يحتفظ بهذا المستوى الاقتصادي البيعي، والوزارة هدفها تسليم زمام السباق من المتسابق الوافد إلى المتسابق الوطني، على غرار سباق التتابع الشهير.
لابد من التوضيح أن هناك شروط في آلية وطريقة التسليم، لابد منها حتى تتم العملية بنجاح، وأهمها أن المُستَلِم يجب أن يكون ادائه بنفس اداء المُسَلِم، وإلا خسر الجميع السباق، وخسارة السباق في السوق تعني المزيد من البطالة. في كل دول العالم لا يوجد توطيناً بالكامل، بل توطين ما يمكن توطينه وضع تحت ذلك خط أحمر، أما القرارات التي اعلن عنها، فخطورتها مزدوجة لأنها في نفس الوقت الذي تدمر المنشآت الصغيرة فهي تسمح للمزيدة من المنشآت الأجنبية عبر ( البيع عن طريق شبكة الكترونية «النت») سوف يتم الدخول والاستيلاء على السوق بأكبر حصة منه.
إن المساس بهذا القطاع متى ما تم ذلك، من الصعب أن يعود كما كان إن اصابه مكروه، في مثل هذه الظروف ولنا تجارب صغيرة ومنفصلة، تتمثل في محلات شارع المتنبي في الملز، عندما قررت أمانة مدينة الرياض على تحسينه، فكانت كمن جاء يكحلها فأعماها، ومثل ذلك أيضا شرق شارع الثلاثين ( الامير سلطان رحمه الله ) بالرياض، اغلقته الحفريات في الثمانينات الميلادية، فتآثر الشارع الأنيق، وانتقلت الأناقة الى شارع العليا، والعليا نفسه اليوم ومعه شارع التحلية، اثرت عليه اغلاقات مترو الرياض، وها هي الأناقة تتبختر الآن في مخرج ٢ الدائري الشمالي وطريق الامير تركي بن عبدالعزيز الاول شمالاً، واليوم حفريات وزارة العمل على مستوى المملكة العربية السعودية والقطاع كاملاً، والخوف كل الخوف، أن يفقد الناس الثقة بالسوق والثقة في القرار، والثقة هي أمان الاستثمارات التي من الممكن أن تنهار اذا لم يبنى القرار على دراسة علمية متكاملة الأركان تؤكد صحة التوجه. وتدرك كل الآثار السلبية بشكل دقيق حتى تتلافاها والا فآننا نخلق المزيد من المشاكل في سبيل حل مشكلة واحدة.
إن المواطن يتطلع إلى وظائف مستدامة، وليس طموحه أن يبيع سيراميك في طريق الخرج أو سروال وفنيلة في البطحاء، هذه الوظائف منطقة مرور للمواطن وكل مواطني العالم، وبالتالي وإن تم التوطين بهذا آلآسلوب، فسيكون مجرد توطين شكلي مؤقت لا يكاد أن يرتد علينا بطالة من جديد، لكنها هذه المرة وقد فُقدت الثقة بنا .
اللهم بلغت اللهم فشهد…
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال