انسوا ردهتنا .. جربوا غرفتنا

 بارا باراااا بارادايس، باراااا بارااااا باراديس

وجدت نفسي مسلوب الإرادة ادندن بهذه الأغنية على نغمات بيانو يصدح في ردهة الفندق ناقلا المكان بطريقة سحرية الى عالم لا تحكمه قوانين الفيزياء والجغرافيا، رائحة قهوة كوبية تكاد ترى كاسترو بنفسه يدعوك الى شربها أيها الرفيق، وكرواسان مخبوز بدقة تكاد تصل للكمال، مقرمش كفتافيت السكر من الخارج، وتتلاطم في أعماقه أمواج جبنة الكريمة الذائبة.

كراااااشششش، صوت تهشم جسم زجاجي اختلط بصوت قهوة تبحث عن شكلها الجديد على الأرضية الرخامية للفندق أعادتني للواقع.

في ثوان، ظهر عاملا نظافة واحد بمكنسة والآخر بممسحة، عادت النادلة التي كانت تحمل القهوة بطريقة تلقائيه الى الكاونتر لإعداد كوب قهوة آخر كان زميلها قام بالبدء بإعداده حتى قبل وصولها، حملت الكوب في يدها و حملت ابتسامة جميلة على وجهها و اتجهت الى العميل مارة بطريقها بعمال النظافة الذي انتهوا من تنظيف بقايا الزجاج و القهوة و يعودون الآن الى الاختفاء. ثوان معدودة، و عاد البيانو ليكون ربان هذه الردهة و عدت انا لأكمل إفطاري.

لا ادري لماذا لكني وجدت خيالي يبحر في سيناريو لهذا الحدث مختلف بعض الشئ، في هذا السيناريو سقط فعلا كوب القهوة، و فورا سارعت النادلة الى ارسال أيميل تطلب فيه من رئيسها الموافقة على اصدار كوب قهوة جديد للعميل بدل كوب القهوة المكسور، ليرد ان عليها تعلم الإجراءات المناسبة للتعامل مع وضع كهذا، و طلب منها التنسيق لاجتماع مع إدارة المباني لانهم المسؤولون عن تنظيف الكوب المكسور، و إدارة المشتريات لانهم المسؤولون عن شراء كوب بديل، وإدارة الأمن لأنهم المسؤولون عن تأمين المكان حتى يتم تنظيفه، و إدارة علاقات العملاء لأنهم المسؤولون عن تعويض العملاء المتضررين.

و فعلا خلال اقل من يومين تم عقد الاجتماع بنية خالصة من الجميع للتعامل مع هذه المشكلة بكل كفاءة واحترافية. تم في هذا الاجتماع المبارك الاتفاق على تكوين لجنة عمل مشتركة مهمتها التعامل مع مشكلة سقوط القهوة من النادلات وبهذه الطريقة تم تحديد مسؤولية واضحة لفريق معين ملزم بمؤشرات أداء للتعامل مع هذه المشكلة ذات المسؤولية المشتركة.

قام كل قسم بترشيح موظف نشيط و كفؤ للمشاركة في هذه اللجنة و التي عقدت اول اجتماعاتها بعد اقل من أسبوع، و توصلت اللجنة الى ضرورة مشاركة إدارة الموارد البشرية في هذه اللجنة أيضا، لأنها المسؤولة عن إدارة أداء النادلات في حمل القهوة، ولكن روح المبادرة في هذا الفريق رأت انه لابد أيضا من إيجاد حل عاجل للكوب المسكوب في الردهة بالتوازي مع الحلول الجذرية طويلة الأمد للمشكلة، و بالتالي اتفقت اللجنة على أيعاز مقاول النظافة بإرسال عاملي نظافة فورا الى المكان المتضرر لتنظيفه، و استخدام أي كوب موجود حاليا كبديل حتى يتم الانتهاء من شراء كوب جديد لاستخدامه بدل المكسور، و صرف كوب قهوة كتعويض للعميل، و ارسال طلب الى إدارة الأمن لتعيين رجل أمن لتأمين المكان حتى يتم تنظيفه من خطر الزجاج، و التعاقد مع مدير مشاريع للتأكد من تنفيذ هذه المهام بالدقة والكفاءة اللازمه.

بدأ مدير المشاريع بايعاز مقاول النظافة بالقيام بالتنظيف، لكن المقاول أجاب بانه كان يستطيع عمل ذلك بموجب العقد القديم، لكن عند مراجعة العقد في بداية العام طلب الفندق منه تخفيض 20 في المائة من قيمة العقد، و قام بموجب ذلك بتخفيض عدد عمال النظافة من اثنين الى واحد و الاكتفاء بممسحة بدلا من ممسحة و مكنسة، اما إدارة الأمن فأجابت بأنها تعمل بكامل طاقتها و يجب الانتظار لحين الانتهاء من إقرار هيكل الإدارة الجديد و ذلك لكي يتمكنوا من توظيف مسؤول امن جديد خاص لتأمين مكان كوب القهوة المسكوب.

اجتماع اللجنة الثاني توصل الى قرار انه لابد من تدخل الإدارة التنفيذية لتعديل عقد النظافة بما يتناسب مع احتياجات الفندق و توجهاته في توفير افضل خدمة للعميل، اما بالنسبة لاستخدام كوب بديل فقد أفادت إدارة المطاعم بأنه رغم ان عدد الاكواب محدود، ولكنهم قاموا بالتنسيق مع إدارة خدمة العملاء لضمان الاتصال على العميل و تحديد وقت له للحصول على كوب قهوة بديل في غير أوقات الازدحام، ولقي هذا الاقتراح استحسان الجميع والذي رأوا فيه بعد نظر في التفكير بما يرغب العميل فيه فعلا، وهو الحصول على كوب قهوة بدون ان يخبره النادل بأن سياسة الأولوية في الفندق هي لأكواب القهوة الجديدة و ليست التعويضية.

بالنسبة لنموذج 101/ح-114 و الخاص بصرف كوب قهوة بديل فقد قام المدير التنفيذي للمطاعم بالتوقيع عليه، و وقع أيضا المدير التنفيذي لخدمة العملاء، وكذلك المدير التنفيذي للإدارة المالية، وبقي فقط توقيع المدير التنفيذي للفندق، والذي سيعود بعد أسبوع من مؤتمر “مرونة شركات القرن الواحد والعشرين”. بعد عودة مدير الفندق و في اجتماع الإدارة التنفيذية ناقش الرؤساء التنفيذيون مسألة عقد النظافة الغير كاف لتوفير افضل تجربة للعميل، وذكر رئيس المشتريات ان العقد كاف جدا، ولكن اهمال موظفي المطاعم هو الذي شكل ضغطا على عمال النظافة، عندها وضح المدير التنفيذي للمطاعم انه نادى مرارا بضرورة تدريب موظفي المطاعم على عدم أيقاع الاكواب، لكن إدارة الموارد البشرية لاتقوم بدورها على الوجه المطلوب، لم يرض طبعا الرئيس التنفيذي للموارد البشرية عن هذا الانتقاد وذكر ان إدارة الموارد البشرية اجتمعت عشرات المرات مع الإدارة المالية للموافقة على المباشرة في خطة “دربني شكرا” لكن الإدارة المالية بطيئة جدا.

غضب مدير الإدارة المالية من هذا الاتهام الباطل وأجاب بأن الإدارة المالية تسير حسب أولويات الخطة الاستراتيجية للفندق ولا تستطيع إقرار خطة تدريب النادلات على عدم إيقاع كوب القهوة قبل ان تتأكد من وجود موارد كافية لحملة “نحن الأكثر عناية بكم” و التي ستنطلق في منتصف العام. بناء على ذلك تم اتفاق الإدارة التنفيذية على تأجيل مناقشة توسيع عقد النظافة حتى إطلاق حملة “نحن الأكثر عناية بكم” لمراجعة توفر الموارد المالية الكافية لتنفيذ برنامج “دربني شكرا” والذي يشمل تدريب النادلات على عدم أيقاع القهوة.

خلال ستة اشهر انطلقت حملة “نحن الأكثر عناية بكم” و اجتمعت الإدارة التنفيذية و تأكدت من توافر الميزانية الكافية لبرنامج “دربني شكرا” و الذي انطلق وقتها بمباركة الجميع، البند الآخر الذي كان موجودا في ذلك الاجتماع هو انخفاض المبيعات الحاد اثر حملة في شبكات التواصل الاجتماعي ضد الفندق بعد تزحلق وجرح اكثر من خمسين رجلا و امرأة وطفلا في شظايا كوب قهوة مكسور و امتلاء ردهة الفندق ببقايا دمائهم خلال الستة أشهر الماضية، و بناء على ذلك فقد قررت الإدارة التنفيذية فصل مدير الأمن والسلامة لعدم كفاءته، وزيادة عدد موظفي المبيعات لتحسين المبيعات، والتعاقد مع شركة استشارية دولية متخصصة في تحسين البراند بريسيبشن، وتخصيص مبلغ عشرطعش مليون ريال لرعاية أنشطة ومناسبات مجتمعية واطلاق حملة على الصحف والتلفزيون والإذاعات وشبكات التواصل الاجتماعي شعارها “انسوا ردهتنا، جربوا غرفتنا” والتي….. تيت تيت

جرس التذكير بموعد الاجتماع و قعر كوب القهوه الخالي قاطعا خيالي لأحمل حقيبتي وانهض للبحث عن سيارة اجرة.

مدندنا:

بارااا بارااا بارادايس….باراااا باااارااا باردايس