الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رغم أن الاقتصاد ينقسم بين جانب سلوكي، وآخر نظري، ولا ينفك الجانب نظري في المجال الاقتصادي عند صياغة النظريات، في الأخذ بعين الاعتبار الجانب السلوكي، وهو ما تفسره استجابة الأفراد للمتغيرات أيا كانت، وأثر تلك المتغيرات على حياة المجتمعات، ومن ضمنها الحياة الاقتصادية، مما يعني أن الواقع الاقتصادي وإن كان نتيجة لذلك السلوك البشري، وتفاعله مع الأحداث اليومية، والأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام، أيا كان مصدرها، وهل هي حقيقة، أم شائعة، لا بد وأن يكون للخيال دور في ذلك التأثير، فما كان خيالا بالأمس أصبح حقيقة اليوم، وفي هذا المقال، سنجعل للخيال جزءا يسيرا في بعض فقراته، قد تكون أمرا واقعا في المستقبل القريب.
قبل ما يزيد عن 150 عاما تقريبا، كانت بداية صناعة النفط، حينما قام رجل الأعمال الأمريكي إيدوين دريك -Edwin Drake- في عام 1859 بحفر أول بئر، والتي عرفت باسمه ذلك الوقت، واستمرت سلسلة الاكتشافات بعد ذلك، ليحظى الشرق الأوسط، والخليج تحديدا بأكثر آبار النفط وفرة، وأقلها تكلفة، أدت أن تتسابق الشركات للفوز بحصص استثمارية في صناعة النفط الخليجية.
ومنذ بداية اكتشاف النفط وتصديره بكميات تجارية، وإزاحته للفحم، وحصوله على النصيب الأكبر من السوق، باعتباره أهم مصادر الطاقة، وما صاحب ذلك من تقدم صناعي وتقني، وتطويع التقنية والمحركات لاستخدام مشتقاته كوقود للمصانع والمحركات، بدأت الدول المستوردة بانتهاج سياسات للتعامل مع أسواق وأسعار النفط، خصوصا بعد أزمة النفط التي حدثت عام 1973 والتي كانت نتيجة للقرار الذي اتخذته السعودية والدول العربية المصدرة متمثلة في منظمة الدول العربية المصدرة للنفط أوابك، بوقف إمدادات النفط، للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل، في إجبار الأخيرة على الانسحاب من الأراضي المحتلة، ومنذ تلك الأزمة أخذت الدول الصناعية بالحسبان أي سيناريو محتمل يهدف للتأثير على أسواق النفط، أو احكام سيطرة المنتجين، على الأسواق.
لذا عمدت لتبني عدة سياسات للحد من هيمنة الدول المنتجة على الأسواق، وتقليص نفوذها، وكبح جماح قوى السوق في التأثير على اتجاه الأسعار، من تلك السياسات التي اتخذها الدول الصناعية، إنشاء مخازن نفطية استراتيجية على أراضيها لاستخدامها في حالة الطوارئ، من جهة أو للتأثير على أسواق وأسعار النفط من خلال قيامها بدور البائع مما يزيد من كمية المعروض النفطي في الأسواق. وكمثال على ذلك استخدام الولايات المتحدة لمخزونها النفطي الاستراتيجي عدة مرات للحد من ارتفاع أسعار النفط خصوصا وقت الأزمات، هذه الميزة للمخزونات النفطية الاستراتيجية يجعل الدول المستوردة، تقوم بدور المنظم للسوق أوقات الطوارئ، كما أن تلك الدول سعت للترشيد والكفاءة في استخدام الطاقة، إضافة لتقليص استخدام النفط، وتقليل الاعتماد عليه، بإقرارها ضرائب على وارداتها من النفط، بحجة الاضرار بالبيئة.
في المقابل سعت الدول المنتجة إلى بيان الخطر الكامن الذي يهدد أسواق النفط، نتيجة لتراجع الاستثمارات في قطاع النفط، خصوصا استثمارات المنبع، وتراجع المخزونات النفطية، واحتمال قصور المنتجين عن تلبية الطلب المتزايد على النفط ومشتقاته، والذي قد يؤدي عجز العرض عن تلبية الطلب المتزايد على النفط، إلى ارتفاع الأسعار، إلا أن تلك النداءات قابلها ردود أفعال على أرض الواقع فقد أدركت الدول المستوردة الخطر الكامن في النفط على اقتصادها، لذا سعت في البحث عن مصادر بديلة للطاقة، كان أهمها ظهور أهم وأكثر وسائل النقل استخداما بمحركات تعتمل على الكهرباء، لتكون بديلا عن المحركات التي تعمل بالوقود، إضافة أنها تعتبر صديقة للبيئة، وأقل تكلفة من ناحيتي الإنتاج والصيانة، هذا خلاف الترويج في وسائل الإعلام من قبل بعض الدول الصناعية لحظر بيع واستخدام السيارات التي تعمل بالنزين والديزل، مما يعطي انطباعا متوقعا عن تراجع الطلب على النفط.
إن التقدم التقني والصناعي الذي مر به العالم، وتسارع الاختراعات والاكتشافات يجعلنا نشعر بشئ من القلق تجاه هذا المورد الناضب، وكما ذكرنا في بداية المقال بأن ننسج من وحي الخيال حدثا لنرى تبعاته على أسواق النفط، لنتخيل أنه تم اكتشاف مصدرا للطاقة منافسا للنفط، وبكميات رخيصة ووفيرة، وقد يكون بديلا عن النفط في وسائل النقل، ما الذي سيحدث للأسواق سواء من جهة المنتجين والمستهلكين، بلا شك سيحدث ذلك ضجة عارمة في الأسواق، وستبدأ البورصات باستقبال هذا الخبر بقلق بالغ، وتراجع كبير، ومحاولة المضاربين التخلي عن العقود التي يملكونها، والعزوف عن حيازة عقود النفط، وسينتقل ذلك الخوف والقلق للمنتجين، في محاولة لتسويق نفوطهم، عندها لا تسأل عن سعر البرميل!.
لقد كان لظهور السيارات الكهربائية مؤخرا وانتشار بطاريات تسلا، وتنوع استخدامها، حتى كان آخرها استخدامها في القطاع السكني، في توفير الطاقة الكهربائية لآلاف المنازل،وربما ظهر لها استخداما جديدا بعد نشر هذا المقال.
إن ذلك التطور في استخدام بطاريات تسلا خصوصا الذي شهدته المركبات قد نرى تطورا يقابله ويضاهيه في وسائل نقل أخرى كالطائرات مثلا، فقد نسمع يوما ما عن حدث لاختبار طائرة ركاب تطير من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، تستخدم محركات بديلة عن المحركات النفاثة، مما يجعل الشركات ومراكز الأبحاث في مسابقة مع الزمن، للتطوير تلك التقنية، والفوز بالنصيب الأكبر من أسواقها مستقبلا، وقد نرى انتشارا واقبالا على تلك التقنية، وتعمد الشركات لتقليل أو قف إنتاج محركات الوقود، ليصبح العالم منساقا رغما عنه لتلك التقنية الجديدة، لتصبح المحركات النفاثة مبتدأ لـ “كان دون أخواتها”، قديمة تقتصر مشاهدتها في المعارض. وهنا نتساءل هل سيصمد النفط طويلا، أم أنه أصبح يمر بمرحلة الشيخوخة.
لذا لابد ان نشيد بتوجه السعودية نحو تقليل اعتماد اقتصادها على ان يكون رهينة للنفط وذلك عبر الرؤية الطموحة 2030 والتي يقودها ولي العهد وبمتابعة وتوجيه من لدن خادم الحرمين الشريفين حفظهما الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال