الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ دخول البشرية في عصر السرعة، لا أعتقد أنه مر على المملكة كمية من التغييرات وضعت و نفذت مثلما عايشناه خلال العامين الماضيين. هذه حقيقة و لامست جميع أطياف المجتمع بلا استثناء بغض النظر عن الجنسية أو الدخل أو الموقع الجغرافي. فإحدى التغييرات الملموسة أن أصحاب المداخيل المتوسطة والمنخفضة بات يودع في حسابهم مبلغ شهري يسمى حساب المواطن. وأصحاب الأعمال أصبحوا يسددون رسوم عن بعض العمالة الزائدة و المتضخمة معززين من كفاءة كشوف الرواتب.
لا شك أن هذه التغييرات أحدثت نوعاً من الوعي بتغيير نمط استقدام أصحاب الأعمال للعامل، فالآن أصبحوا يحسبون حسابات أخرى قبيل استقدام موظفيهم بدءاً من عامل الشايوانتهاءاً برؤساء تنفيذيين. وبالطبع هذه التغييرات باتت تلحق بأنشطة أخرى قائمة بالأغلب على التستر التجاري من حلاقين و مغاسل و بنشرجيه وبوفيهات و بياعين الملابس الداخلية التي كان من المستحيل تجد مواطن يعمل فيها ليس لأن “السعودي ما يشتغل” بل لأنها محكومة من مافيات مقسمة على جنسيات محددة لكل نشاط.
مافيات ضررها وصل لتكوين تلوثات بصرية في الشوارع فأصبحت شيئاً متعارف عليه و لا تنتبه له العين المجرده. كيف أصبح لدينا في كل المدن شوارع للحلاقين و شوارع للخبازين و شوارع للدشوش وبالكاد تجد فيها أي نوع من المنافسة في الخدمة أو المنتج أو السعر أو الديكور بين محل و آخر؟ بل أصبح كيلومترات من النسخ و اللصق ابتداءاً من اللوحة الخارجية و انتهاءاً بالعاملين الذين تجد أغلبهم يحملون نفس الأسماء.
الغريب أن النظريات الاقتصادية تنص على أنه عند ازدياد المعروض على الطلب تقل الأسعار لكن هذا لم يعد الواقع. الذي يحصل أن هؤلاء “المتنافسين” كونوا احتكارات فيما بينهم أو oligopoly على مستوى المملكة محددين فيه الأسعار و مستفيدين من دعم الحكومة وعدم تحصيل ضرائب أو رسوم تُذكر. أحد الأصدقاء يقول أنه قام ببدء نشاط بيع عود و بخور و كان يقوم بنفسه على المحل حتى يراعي حلاله. و فور إنتشار خبر دخول مواطن على الخط، اتفق جميع المنافسين المجاورين على تخفيض أسعارهم مستغلين التكاليف المرتفعة التي يتكبدها أي نشاط في بداياته حتى نجحوا بإخراجه من السوق. و فور خروجه من السوق، انتهى موسم التخفيضات و عادت الأسعار كما كانت.
وهناك بعض المواطنين الذين أرادوا فتح بقالة و البيع بأنفسهم فحوربوا بمقاطعة الموردين لهم فأفلسوا و خرجوا من السوق. و قصص أخرى كثيرة حرمتنا من التعامل مع مواطنين على مر عقود في البيع والشراء. أما الآن فالأمور أخيراً بدأت تأخذ منحى آخر. لكن السؤال هو ما العائد المرجو علينا من هذا التغيير غير تحسين جودة الحياة؟الجواب هو أن أهم و أكبر سبب يتمحور حول إيقاف للإستنزاف الكبير من الأموال المحولة خارج المملكة وإستنزاف الدعم الحكومي الذي كان يشمل الجميع بلا استثناء مستغلينه أصحاب ال oligopolies.
نعم قد تكون القرصة موجعة الآن فنضطر للبحث أطول عن مغسلة ملابس المرة القادمة التي نضطر فيها لكي أشمغتنا، لكن لننظر إلى الأمور على المدى الطويل. فإبقاء هذه المليارات التي كان يتم تحويلها داخل البلد سيتسبب بإعادة استثمارها من أجل الحصول على عوائد على مدى أطول نستفيد منها نحن وأبنائنا من بعدنا. إدفع 5 ريالات زيادة الآن لمواطن ليقوم بصرف 4 ريال منها داخل البلد و ريال خارج البلد (حتى لا نحكم على جميع المواطنين بمنع السفر أو عدم الاستيراد) أفضل من دفع 4 ريالات يتم تحويل 3 ريالات منها للخارج وريال واحد للفوال الذي سيقوم بتحويلها هو الآخر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال