الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الوقت الذي تتقدم فيه التقنيات الحديثة بخطى متسارعة نحو تشكيل مستقبل جديد ذي ملامح غير اعتيادية، تترقب مؤسسات الاعمال في مختلف القطاعات هذه التطورات في محاولة منها لكسب عنصر المنافسة. القطاع المالي والمصرفي ليس بمنأى عن هذه المحاولات، بل أصبح مبدأ تطويع التقنية والاستثمار في الابتكارات هو المفهوم السائد لديها والوسيلة التي تراهن عليها كبريات المؤسسات المالية.
لذا فإن الكثير من المؤسسات المالية والبنوك المصرفية بدأت ومنذ اوقات مختلفة رحلة الاستكشاف والبحث في جدوى الحلول المالية التقنية والاستثمار فيما يسمى بــ “فنتك” لاحراز تحول رقمي يضمن لها بقائها في دائرة المنافسة، ولو كان هذا الاستثمار على حساب تقليل هامش الارباح. على سبيل المثال، أعلن بنك BNP Paribas الفرنسي حجم استثمارات في التقنيات المالية بمبلغ 3 مليار يورو خلال ثلاث سنوات قادمة، كما أعلن أيضاً بنك ING الهولندي استثمارا بمبلغ 800 مليون يورو للتحول الرقمي في خطة خمسية، وفي المقابل يقترب بنك Lloyds البريطاني من الانتهاء مع نهاية هذا العام من تنفيذ خطته الاستراتيجية للخدمات التقنية والتي انطلقت منذ عام 2015 بتكلفة مليار جنيه استيرليني.
كذلك أعلن مؤخراً ذراع ادارة الاصول التابع لبنك دوتشه استثمارا بمبلغ 65 مليون دولاراً لتعزيز القدرات الرقمية. أما اقليميا، فقد رصد بنك الامارات دبي الوطني مبلغاً بقيمة 500 مليون درهم لتقنيات الـ”فنتك” لثلاث سنوات قادمة. أما على مستوى العالم بشكل عام، فقد بلغ اجمالي حجم الاستثمارات 31 مليار دولار بنهاية عام 2017 مع توقعات بالزيادة في حجم الاستثمار في الحلول المالية التقنية بنسبة 10.4% في عام 2019.
بحسب تقرير لبنك الاستثمار مورغن ستانلي فإن الحاجة للتحول الرقمي سيفرض على المؤسسات المالية المتنافسة أخذ زمام المبادرة في الاستثمار في الابتكارات لتجاوز ما ستحدثه التقنية من “اضطراب” (Disruption) قد تنقلب معها الموازين. ولهذا يبرز السؤال المهم وهو أين تضع هذه المؤسسات المالية استثماراتها لتحقيق الريادة وما هي التقنيات الحديثة (Disruptive Technologies) التي تراهن عليها في المرحلة القادمة؟
اشارة الى دراسة اجرتها شركة اكسنشر شملت 800 مسئول مصرفي في 25 دولة، فإن أبرز توجهات التقنية المالية في القطاع البنكي تتلخص فيما يلي:
اولاً: الذكاء الاصطناعي
بالرغم من اسبقية البنوك في الاستفادة من خدمات تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال العشر سنوات الماضية، الا ان توظيف هذه التقنية كان على نطاق ضيق إقتصر على اتمتة الاوامر المتكررة أو تتبع انماط العمليات لاكتشاف حالات الاحتيال على عمليات البطاقات الائتمانية أو محاولات غسيل الاموال. أما التوجهات الحديثة في تقنيات الذكاء الاصطناعي فهي تستهدف استخدامات أكثر تطوراً وتفاعلاً تشمل تجهيز الالات (الروبوت) بالقدرات الفائقة على الاحساس والفهم والرد التلقائي (interaction) والتعلم الارتقائي (self learning) وتنفيذ التعاملات ذاتياً للعملاء وتقديم الاستشارات لهم.
هذه القدرات ستصنع الفارق في التميز بين هذه المؤسسات ولكن يبقى ضمان جودة قرارات الالات الذكية التلقائية ومطابقتها للتشريعات والانظمة، تحديد الخدمات والعمليات المتوقع رفع كفاءة التكلفة بها، وسائل كسب ثقة العميل كالشفافية مثلاً، وآلية احلال الروبوت للموظفين تدريجياً، وايعاز تعامل الروبوتات مع العملاء مباشرة وتكوين قرارات لحظية (Real-time insights) للاستجابة لطلباتهم هي أبرز الاهتمامات الفنية في المستقبل. يتوقع 79% من المختصين في القطاع البنكي أن الروبوت الآلي سوف يعمل جنباً الى جنب مع الموظف البشري خلال السنتين القادمتين.
ثانياً: الواقع الافتراضي والواقع المعزز:
تجاوزت تقنيات الواقع الافتراضي (Virtual Reality) والمعزز(Augmented Reality) مرحلة البحث والتطوير في معامل الجامعات والمراكز البحثية لتنطلق نحو سوق العمل وتعزيز الميزة التنافسية. القطاع البنكي لديه امال كبيرة في الاستفادة من هذه التقنيات لتحقيق الربحية. اثبتت الدراسات ان تجربة التعلم وتذكر المعلومات عن طريق هذه التقنيات يفوق بمراحل عن الطرق التقليدية او حتى الرقمية الاعتيادية وهذ ما سيرفع كفاءة الموظفين وتحسين تجربة العميل.
على سبيل المثال، يمكن وضع موظف البنك في تجربة تخيلية لرفع كفاءته في تجربة متكاملة من السيناريوهات لأحد خدمات البنك مثل تقديم القروض، أو توفير تجربة مشابهة للعميل بالواقع المعزز مثلاً لعرض منزل بالابعاد الثلاثية ومن ثم اتمام عملية القرض العقاري لشرائه. يرى 80% من المختصين المصرفيين أهمية الريادة في مجال تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، الا ان نسبة منهم يرى ان القطاع بحاجة الى الاستعداد الفني المبكر وتوفير الكوادر المؤهلة في هذا المجال. الاستثمار في هذه التقنيات والتخطيط لبرامج التحول الرقمي يجب ان يبدأ منذ هذه اللحظة حتى ان لم تبرز الحاجة انها ملحة في الوقت الراهن فلا يعني انها لن تظهر وبشكل مفاجئ وسريع في المستقبل القريب.
ثالثاً: البيانات الضخمة:
بالتأكيد تحليل البيانات الضخمة هو أحد الوسائل الحديثة في دعم اتخاذ القرارات وقد قطعت كثير من المنظومات شوط في تحليل بياناتها الداخلية والاستفادة منها. البنوك على سبيل المثال تمتلك كم كبير وثري من بيانات العملاء والشركاء والموردين والمنتجات داخل المنظومة نفسها ولكن ستفرض حاجة العمل من التكامل مع طرف ثالث او دوائر حكومية اضافة بيانات من خارج المنظومة والتي تمثل معامل مخاطرة اذا اهملت آليات التحقق من دقة البيانات وصحتها. معظم الاستثمارات في المستقبل ستنصب على ادوات تدقيق صحة البيانات، تطوير آليات اختيار البيانات المناسبة لاستخدامها كمدخلات في صنع القرار، وتطوير آليات اكتشاف الخلل أو التزوير في البيانات الواردة من مصادر خارجية.
رابعاً: الشراكات المتعددة مع الـ “فنتك”:
التطور التقني المتسارع يفرض على المؤسسات المالية التعاون مع أكبر عدد من شركات الحلول المالية “فنتك” حيث أنه يصعب على هذه المنظومات الكبيرة اجراء ترقيات للبنية التحتية التقنية بشكل سريع يتجاوب مع المتطلبات العاجلة أو تغيرات سوق العمل. فعلى سبيل المثال، فإن لبنك ING الهولندي اكثر من 100 شراكة مع شركات الفنتك، أما في استراليا فقد زادت الى الضعف نسبة الشراكات في عام 2016 عنها في العام السابق.
معظم الاستثمار في هذا المجال سيكون منحصر في توجهين هما: ١) الخدمات الصغيرة (microservices) وتشمل تحديد الخدمات الصغيرة ذات الفائدة، وآلية احلالها التدريجي في نطاق العمل الاساسي، وبناء الاطر المعمارية (architecture) للتكامل مع الانظمة القديمة. ٢) تقنية البلوك تشين (Blockchain) والعقود الذكية (Smart Contracts) والتي ستقدم فرص عظيمة وتضيف نقلة نوعية علـى فعالية العمل مثل الحوالات المالية وتقليل تكلفتها، تسجيل السجلات والصكوك العقارية، التسوية بين البنوك، الضمان البنكي (Letter of Credit) وغيرها من الخدمات التي قد تحل يوماً ما كثير من الاجراءات البنكية.
هذه كانت أبرز توجهات التقنية في الحلول المالية التي ستشهد كثير من الاستثمارات من قبل المؤسسات المالية والبنوك المصرفية للبحث في أفضل السبل لاستغلال التقنية لضمان احراز التقدم أو على الاقل البقاء في دائرة المنافسة. التجارب السابقة التي مرت بها شركات عريقة انهارت وخرجت من السوق مثل بلوكبستر Blockbuster، بلاك بيري (BlackBerry)، ماي سبيس (MySpace)، وكوداك (Kodak) لا تزال تقدم دروس مستفادة لن تنساها الاجيال القادمة عن تهديد الابتكارات التقنية وخطورة تأجيل استغلالها وعدم مواكبة تطوراتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال