الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال الأسبوع الماضي كشفت الهيئة الرياضية عن خطأ مالي جسيم تمثل في غياب مبلغ قدره ما يقارب 170 مليون ريال (حسب الاعلان الرسمي) من دفاتر احد الاندية الرياضية الجماهيرية. فلا يُعلم أين اختفى ذلك المبلغ. بعد إعلان الخبر كنت انظر الى ردة الفعل العامة حول الخبر و طبعا كان طابع التنافس الرياضي هو الغالب في النقاش حول الحالة فبين محب يقاتل لنفي المعلومة او الحدث و كاره يؤكد تلك المعلومة وآخر يجد المجال مناسبا للإثارة واستغلال فرصة الشهرة.
ما أعرفه وتعرفه اخي القارئ الكريم مما هو منتشر على السطح في الوسط الرياضي أن التنظيم الاداري والرقابي داخل الأندية الرياضية مهترأ وأن الكادر العامل كفاءته احيانا فقط الإنتماء الرياضي و أن الهيكل الاداري يتكون من مجموعة من أصدقاء الإستراحة او المجلس. فلو نظرنا الى البيئة جميعا لوجدنا اننا أمام حالة مثالية يمكن من خلالها قياس قدرة أنظمة الحوكمة فيما لو طبقت بشكل سليم وفعال على منع مثل تلك الأخطاء وتغيير الطابع العام في هذا القطاع الذي يستفيد منه شريحة كبيرة من المجتمع.
لا يعني إختفاء رقم من على الدفاتر إلا أن هناك نظام رقابي رديء داخل المنشأة تسبب في اختفاء المبلغ الضخم دون مبرر لضعف امكانيات التسجيل والمتابعة ! كل احتمال لحدوث الخطأ ممكن من تسجيل خاطئ وتصحيح غير موجود ومتابعة غائبة ونحو ذلك اضافة الى احتمال وجود المبلغ وغيابه بشكل مقصود (عملية اختلاس مثلا) ومخطط. فما حدث برأيي هو خطأ رقابي بالمقام الأول قبل أي شيء آخر فنحن لا نتحدث عن عدد من الريالات بل نتحدث عن 170 مليون ريال غائبة! وهي ليست غائبة في نادي ريفي او نادي محدود القدرات والموارد!
ومما يجعل الخطأ يستحق الوصف بالأهمية القصوى بالإضافة إلى ضخامة المبلغ المالي هو وجود محاسب قانوني سبق وأن راجع التقرير المالي لذلك النادي في السنة الماضية وأعلن النادي بناءا على عمله تقرير مالي للجمعية العمومية الاستثنائية ( ويجب ان ننوه هنا ان التقرير المالي المعلن في الجمعية العمومية لا يحمل صفة الشفافية والافصاح الشامل المقررة في المعايير المحاسبية التجارية وانما هو تقرير اجمالي يعطي مؤشرات لا افصاحا شافيا وقد يكون للشكل القانوني للاندية دور في ذلك) يحتوي صافي ربح ومركز مالي مهترأ للغاية إذا ما أخذنا في الاعتبار أن النادي لا يملك أصول واضحة فالنادي شكله القانوني أساسا ضبابي يجعل مهمة النظام المالي الرقابي أكثر صعوبة.
فمثلا لو نظرنا لماهية النادي في اللائحة الأساسية الحديثة للأندية الرياضية نجد الماهية على النحو التالي “النادي مؤسسة رياضيـة تربوية ثقــافية اجتماعية مرخص له من الرئاسة (هيئة الرياضة حاليا) وعضو في الاتحاد، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية ويخضع لإشراف ومتابعة الرئاسة (الهيئة) وكل ما تقتضيه المصلحة العامة”. وتبعا لذلك نجد اننا نتحدث عن منشآة قطاع عام غير ربحية الهدف، ومع ذلك تجد بعض الاندية تطرح في تقاريرها المالية فكرة “صافي الربح”!! وهذه الملاحظة البسيطة تبين حجم الضبابية في التعامل مع النادي ككيان مستقل من الناحية المالية لأن هذا عامل مهم في تحديد وبناء النظام الرقابي المالي وتحديد مسئولية ادارة النادي.
إدارة الاندية الرياضية ماليا بأسلوب القطاع العام لا يتناسب مع دور الأندية وقدراتها المالية والاستثمارية ويحتاج الى اعادة نظر، فاللائحة الاساسية تتعامل مع الأندية كما يتعامل النظام المالي الحكومي (العام) مع المستشفيات العامة والمدارس العامة ولكنها تعطي الأندية حرية مالية في الاستثمار مشروطه فقط بموافقة الهيئة. اعتقد ان المعالجة المالية للاندية تحتاج الى اعادة نظر وتقييم، فمثلا عقود اللاعبين (الذين من خلالهم يحقق النادي اهدافه الرياضية والتسويقية) تعتبر أصل بالنسبة للأندية الرياضية العالمية إلا ان الشكل النظامي لانديتنا يحول دون ذلك.وبالتالي لو أنه تم السماح برسملة عقود اللاعبين هل سيكون ذلك عاملا ايجابيا على شكل قائمة المركز المالي للأندية، في نظري ان ذلك سيفعل متى قيمت العقود بشكل منطقي.
الشكل المالي للأندية مشوه بشكل كبير جدا (مما يجعل منظرها اجتماعيا ونفسيا غير جاذب استثماريا) بسبب أن المركز المالي للمنشأة اساسا غير مكتمل فجانب الاصول غائب تماما وجانب الالتزامات هو الموجود فقط، وذلك لأن الاندية تعالج على اساس النظام المالي العام (الذي لا يعير الرقابة على الأصول أهمية) مع بعض المصطلحات التجارية التي تدرج دون مبرر.
حين يكون الحديث عن الانظمة المالية والحالة المالية للاندية الرياضية في المملكة نجد فشلا ذريعا وحالة مثالية لأهمية اجراءات الحوكمة والتي يجب ان تبدأ من تطوير الشكل القانوني للأندية الرياضية بما يتناسب مع مقدراتها وأنشطتها. فالتعامل مع الاندية على انها اجهزة قطاع عام يحتاج الى اعادة تطوير ليتناغم العمل مع قدرات الاندية على توريد الاموال لتحفيز الاندية على الاستثمار وتحقيق التهيئة التنظيمية للخصخصة. فهنا المناداة بأن يتم تطوير بعض المعالجات المالية التي تتلائم مع النظام المالي الحكومي (العام) لتكون تقارير الأندية اكثر قدرة على عكس حالتها المالية. وجود مكاتب المحاسبة داخل المجال الرياضي لمساعدة الاندية في المحاسبة عن اعمالها المالية أيضا يحتاج الى مراجعة، فما اعرفه ان كل نادي اليوم يعلن قوائمة المالية بكل سنة وتكون مراجعة من قبل محاسب قانوني، هل كان المحاسب القانوني على علم بغياب ذلك المبلغ ولم يفصح عنه في حينه؟ وان كان على علم من المسئول عن محاسبته في هذا المجال؟ من له الحق في مسائلته ؟ هل لديوان المراقبة العامة دور هنا؟! ماهو الدور المقصود من وجوده؟!
يحتاج الامر من الهيئة الرياضية مع الحراك الحالي إلى وقفة جادة وطرح الأمر على المختصين للمساعدة بالخروج بلائحة حوكمة أقوى وأقدر على التعامل مع الوضح الحالي لنقله لما هو أفضل. فحتى الهيئة الرياضية علاقتها الرقابية والتنظيمية بالاندية تحتاج الى تقييم ومراجعة وتطوير مع متطلبات المرحلة. التغني بوجود المحاسبين القانونيين وان مجرد وجودهم ضمانة للعمل المالي الملائم هو حديث مبالغ به ولا يعكس الواقع، بلا شك ان المحاسبين القانونيين يملكون الخبرة و القدرة العلمية والمهنية على تقديم الرأي المناسب حول الحالة المالية للاندية والتأكد من سلامة العمل المالي لكن اذا كانت الأنظمة واللوائح الرقابية في الأندية مهترأة كما يظهر على السطح الاعلامي فلا أعتقد أن المحاسب القانوني قادر على القيام بعمل ملائم! لذا برأيي أن حادثة غياب ال 170 مليون ريال يجب لها ايضا ان تستدعي اهتمام المختصين الماليين إلى أن يناقشوا الامر فبرأيي أن الأنظمة المالية المستخدمة لمعالجة العمليات المالية في القطاع العام داخل تلك الاندية الرياضية قاصرة او غير منسجمة مع حجم أعمال الأندية المالية وتحتاج الى إعادة نظر وتطوير لتكون قادرة على عكس الواقع المالي بعدالة بغض النظر عن شكل المنشآة القانوني.
لذا نحن بحاجة استغلال الفرصة لمعالجة المشكلة من جذورها. وبلا شك أن الحلول يجب أن تشمل مراجعة الانظمة المالية والتنظيمية لدى الهيئة الرياضية اتصالا بدورها المالي الرقابي داخل الاندية ودور الجهات الرقابية الأخرى في ذلك، المناقشة الجادة للشكل القانوني للأندية وتحديد ماهيته بما يتلائم مع نشاطها واهدافها وامكاناتها الاستثمارية قبل مرحلة الخصخصة، تطوير الأنظمة المالية التي يسير وفقها العمل المالي والمحاسبي داخل تلك الاندية من خلال إلزام الأندية بتكوين نظام مالي داخلي قادر على انتاج تقارير مالية تفصيلية وشروحات شفافة وذات اهمية بدلا من التركيز على الطرح لإجمالي الأرقام المالية، التأكد من اتساق التقرير المالي وبنوده مع أعمال المنشأة وماهيتها (بدلا من الزج بمصطلحات تجارية دون مغزى فيفترض ان تكون اغراض التقرير المالي رقابية في المقام الأول)، رسم انظمة رقابة مالية داخلية في الاندية على العمليات المالية والتشغيلية بشكل تفصيلي ملزم، تحديد دور المحاسب القانوني في العملية المالية وماهية مسئولياته ومن الجهة المستفيدة التي تملك الحق لمسائلته متى أخل بمسئولياته.
ويشمل تطوير الأنظمة الرقابية الداخلية ضرورة وجود محاسبين وكوادر مهنية وطنية مناسبة داخل الاندية الرياضية لإدارة العملية المالية مع توفير الدعم لهم.
خاتمة: النظام المحاسبي الذي عرف طويلا بمهنة مسك الدفاتر هدفه الرئيس تحقيق الرقابة وتعزيز المسئولية متى غاب تحقيق الأمرين سترى مبالغ تأتي وتغادر “بدون عنوان”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال