الزئبق .. وحتمية التسمم

عرف عن الإمبراطور تشين تشي هوانج انه اول امبراطور للصين، وأشتهر ايضا بكونه من أمر ببناء سور الصين العظيم، وغيرها من الانتصارات العسكرية التي ليس المجال لسردها الآن. وهذا الإمبراطور كان مهووس بفكرة ان يخلد في الدنيا الى الأبد، وكنتيجة لهذا الهوس اصبح يأخذ جرعات من الزئبق بناء على وصفة قدمت له من احد الأطباء، والنتيجة طبعا ان الموت عجل به وهو ما زال في الخمسينات من عمره. طبعا لابد من التذكير هنا ان للزئبق فوائد وتطبيقات علمية عديدة، ليس منها بطبيعة الحال الأكل. ورغم سخرية القصة الا انها ما زالت تتكرر يوم بعد يوم، ليس بحذافيرها، بل بسياقها و مبررات ودوافع دورانها. 

فعلى سبيل المثال كم من شركة حققت انجازات مالية وتوسعات جغرافية وريادة شبه مطلقة في مجالها، الا انها توهمت ان القروض المصرفية الطويلة والقصيرة الأجل كفيلة بإبقاء افضليتها و ديمومتها، والنتيجة ان كانت القروض سبب في انهاكها بل وافلاسها. نعم للقروض فوائد ولا يجادل في ذلك أحد، ولكنها ليست سبب في ديمومة الشركات وبقاءها، بل ان التوسع بها قد ينهيها عن بكرتها.

وبالمثل هناك شركات رائدة ( او كانت رائدة في يوم ما)، ولكنها توسعت في مجال الإستثمارات المالية المركبة والمعقدة والتي لا يفهمها حتى من يعمل على توسيقها، واصبحت هذة المنتجات تشكل جل محفظتها، والنتيجة انهيار في ليلة وضحاها كأن لم تكن في يوم ما. والأمثلة (الزئبقية) كثيرة في عالم الشركات، وتأخذ اشكال وصورا متعددة، الا انها تتسم بالشراهة في التعامل مع ما ينبغي الاقتصاد و الحذر منه بطبيعة الحال.

 فالقروض والادوات المالية المعقدة والاستثمارات العالية المخاطر كل هذه يجب ان تكون بقدر وبإفتراض لا يتعارض مع مستوى خطورتها، حتى لا تتحول الى ما يفتك بالشركة، ومن ثم تكون المزادات على تسييل اصولها سيدة الموقف.

الشغف والرغبة الدائمة في تحقيق الأرقام القياسية قد تكون مؤشرات على عقلية يسودها الجشع، وقد تؤدي هذه الأمور الى تبني قرارات حادة و وخيمة في نتائجها، الهوس الدائم بالأفضلية والغير مدروس والغير منطقي نهايته وخيمة بالضرورة.