الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يقوم الرئيس اردوغان مؤخرا بجولات في عدة دول يلتقي خلالها رؤساء الشركات ومدراء الصناديق الاستثمارية بهدف تشجيعهم على الاستثمار في تركيا والإجابة على أسئلتهم ومحاولة طمأنتهم بخصوص المتغيرات الاقتصادية في تركيا المتعلقة بالانخفاض الشديد في سعر الليرة والتضخم المرتفع والسياسات الاقتصادية المتبعة.
رغم نمو الاقتصاد التركي في 2017بنسبة قاربت 7% وهي من نسب النمو الأعلى في العالم خلال 2017والأعلى في تركيا منذ 2013 ، إلا أن ذلك لم يقلل من مخاوف المستثمرين بخصوص مستقبل الاقتصاد التركي. يعود قلق المستثمرين بشكل رئيسي الى المتغيرات السياسية المستمرة والتي أثرت بشكل مباشر على بيئة العمل والاستثمار وبالتالي عدم وجود استقرار في طريقة اتخاذ القرارات وتنفيذها كما كان الوضع في تركيا ما قبل 2011.
في تحليل نمو عام 2017 ، نجد ان سببه الأول كان سياسات تحفيزية وضعتها الحكومة من ضمنها منح قروض ميسرة للشركات من قبل البنوك مع دعم حكومي لتلك القروض. نجحت تلك الإجراءات في تنشيط الحركة الاقتصادية ولكن حتى الان ما زالت فاتورة الواردات مرتفعة وهو ما يفسر ارتفاع الديون الخارجية والعجز الكبير في الميزان التجاري بالإضافة الى التضخم العالي. ليس من المتوقع ان تقوم السياسات القصيرة الأجل بحل مشاكل العجز والتضخم والبطالة في وقت سريع وهو فعليا ما يشير اليه المستثمرون بعدم وضوح السياسات الطويلة المدى.
في بداية مجيء اردوغان الى السلطة، كانت تركيا تنفذ إصلاحات اقتصادية بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي الذي منحها قروضا للخروج من أزمتها. في تلك الفترة كانت الإصلاحات في المجال المصرفي مهمة جدا وتم وضع إجراءات حوكمة وتفعيل عمل المؤسسات واستقلاليتها ولذلك كانت النتيجة اقتصاديا مبهرة في القطاعات المالية والمصرفية والصناعية والسياحية وغيرها. ومن المهم جدا الإشارة الى ان تركيا في تلك الفترة كانت تتمتع بعلاقات ممتازة مع الدول المحيطة بها عربيا وأوروبيا ولم تكن تدخل في صراع المحاور وهذا ما ساهم في تدفق الاستثمارات الخارجية بشكل كبير.
في الداخل، ومع وضع اقتصادي جيد كان اردوغان يفوز مع حزبه بالانتخابات بسهولة بدون وجود معارضات تذكر خلال فترة التحالف مع جماعة غولن، لكن التحديات بدأت فيما بعد مع خروج الناس المعترضين الى الساحات حيث كان رد السلطات عنيفا. تدريجيا بدأ تداخل وتدخل تركيا في الأزمات الإقليمية يؤثر على الداخل التركي ما انعكس على الجانب الأمني من خلال عدة عمليات ومتفجرات في مناطق مختلفة وصولا الى محاولة الانقلاب والرد عليها باعتقالات ضخمة. كل ذلك أثر بطبيعة الحال على الاستقرار الاقتصادي خصوصا انه ترافق مع نهاية تواجد اردوغان في منصب رئيس الوزراء وانتقاله الى منصب رئيس الجمهورية بالتوازي مع تعديلات دستورية أعطته صلاحيات أكبر وأقصت من حوله المسؤولين المقربين.
تغيرت أساسيات العمل بشكل واضح، فبدلا من الكلام عن إستقلالية المؤسسات يقول اردوغان في مقابلة مع بلومبيرغ انه سيتدخل في السياسات النقدية للبنك المركزي لأن لديه أفكارا أفضل بخصوص أسعار الفائدة وطريقة السيطرة على التضخم. أما من ناحية التنفيذيين الكبار في فريق عمل الرئيس، فيقول أحد مدراء الصناديق الاستثمارية (من تقرير في بلومبيرغ) الذي زار أنقرة مؤخرا أنه من الواضح سيطرة الموظفين أصحاب الولاء على حساب الموظفين الخبراء وهو عكس ما كان يحدث سابقا. أما في القطاع السياحي مثلا، فرغم ارتفاع عدد السواح في 2017بعد التراجع في السنوات السابقة، إلا أن الصدارة أصبحت للسواح من روسيا وإيران وجورجيا بدلا من ألمانيا وبريطانيا. وهناك فرق كبير بين السواح في معدل الصرف.
من الصعب حاليا توقع الخطوات الاقتصادية القادمة في تركيا بسبب إعطاء الأولوية للأمور السياسية بشكل كبير وآخرها الدعوة لانتخابات مبكرة والتي من المتوقع أن يفوز بها أردوغان مرة جديدة بالإضافة الى النبرة العالية التي يتحدث بها الرئيس في كل القضايا الإقليمية.
الوضع الاقتصادي الحالي بشكل مختصر هو نمو جيد في 2017وارتفاع في البطالة والتضخم (كلاهما فوق 10%) وانخفاض شديد في سعر العملة التي سجلت مستويات قياسية أمام الدولار مؤخرا. أما عجز الميزان التجاري فارتفع في ٢٠١٧ بنسبة ٣٨% ووصل الى ٧٧ مليار دولار مما يوضح أن سعر العملة المنخفض لم يساعد كثيرا في هذا المجال.
إن معالجة هذا الوضع للمدى البعيد يتطلب سياسات اقتصادية منفتحة تطمئن المستثمرين وأصحاب راس المال لكن ما يبدو أنه يحصل هو تركيز كل القرارات في رئاسة الجمهورية تماشيا مع توجه أردوغان السياسي.
يُنسب الى أردوغان قوله أن الديموقراطية هي مثل القطار تنزل منه عندما تصل الى هدفك. لذلك، اذا لم يكن الهدف الأساسي هو النمو الاقتصادي المستدام فإن استمرار النمو الاقتصادي في المدى البعيد سيكون صعبا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال