الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن مجرد الاعتراف لصاحب الحق الفكري بوجود حقه، غير كافي ليشعر صاحب الحق بالاطمئنان لحقه من الانتهاك. إنما يتطلب توفير الحماية الفعالة له وإنفاذ وتطبيق كل ما يكفل حمايته من خلال الجهات القضائية والإدارية. إن المشكلة الرئيسية المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية في كثير من الدول – بما فيها المملكة – لا تكمن في غياب النص القانوني الذي يعترف بالحقوق الفكرية ويقر بها فحسب، بل تكمن في تطبيق تلك القوانين وإنفاذها من قبل الجهات الرسمية ذات العلاقة.
إن السلطة القضائية تلعب دورًا محوريًا مهماً في التنظيم العام للمجتمعات الحديثة. وبقدر ما يكون هذا الدور فعالاً، فإن القضاء يضمن الاستقرار ويحد بشكلٍ كبير من نشوء المنازعات وحلها إن وجدت. كما يتمثل دور القضاء أيضاً في تعزيز احترام التشريعات التي من شأنها حماية الحقوق الفكرية من أجل ضمانٍ أكثر فاعلية لإنفاذها. وبالتالي، فإنه لا يكفي أن يكون التشريع موجودًا لتأكيد أصل الحق الفكري (بالأحكام الموضوعية) أو لتأكيد وسائل انتهاكه (بالنصوص الإجرائية)، إنما يجب أن تكون الجهة ذات العلاقة سواًء كانت إدارية أم قضائية قادرة على ردع أي انتهاك قبل حدوثه.
إن الأهمية المتمثلة في دور القضاء الفعال – خاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية – قد تتعدى أهمية سن النص القانوني الذي يعترف بالحق الفكري لصاحبه، ذلك أن القضاء قد يستند على المبادئ العامة في القانون وقواعد العدالة من أجل حماية ذلك الحق. وعلى هذا الأساس، فإن وجود نص قانوني مع قضاء غير فعال بالتأكيد سوف يؤدي إلى مزيدٍ من انتهاك الحقوق الفكرية وضياعها. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب علينا ألا نُقلل أهمية التشريع وتطوير القوانين واللوائح المتعلقة بالملكية الفكرية.
إن وجود دور فعال للجهات ذات الصلة بتطبيق وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية في المملكة سواءً في حال حضور النص القانوني أو غيابه، قطعاً سوف يقلل من الانتهاكات ويوفر حماية فعالة لأصحاب تلك الحقوق. ومن المهم أيضاً الأخذ بعين الاعتبار الحجم الهائل للعائد الاقتصادي على المملكة جراء الحماية الفاعلة لحقوق الملكية الفكرية. فعلى سبيل المثال، في تقرير للتحالف الدولي للملكية الفكرية IIPA لعام ٢٠١٣م ذكر بأن “معدل قرصنة البرامج في المملكة العربية السعودية بلغ ٥١٪ في عام ٢٠١١م، وهذا يفوق المعدل العالمي البالغ ٤٢٪ والذي يمثل قيمة تجارية للبرمجيات الغير مرخصة والتي تبلغ ٤٤٩ مليون دولار.” وفي نفس السياق، يُشير التقرير إلى أن “اقتصاد المملكة سوف يتأثر بشكل إيجابي إذا اتخذت المملكة مبادرة داخلية أو خارجية للحد من القرصنة وتفعيل الدور الحكومي في الإنفاذ.” ويذكر التقرير أيضاً ” أجرت BSA و IDC دراسة في عام ٢٠١٠م أشارت إلى أنه إذا قللت حكومة المملكة من معدل قرصنة السوفتوير بـ ١٠ نقاط مئوية طوال أربع سنوات، سوف ينتج عن ذلك ٧٨٦ مليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي، و ١٩ مليون دولار من العائدات الضريبية وخلق ١٤٢٠ وظيفة جديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات.”
إن الحديث اليوم عن حضور النص وغياب التطبيق، لا ينطبق فقط على قوانين الملكية الفكرية، وإنما يمتد إلى غيره من القوانين. وبالتالي، إذا تم تجاهل تطبيق النصوص بشكلٍ فاعل وعادل، فلن يؤدي ذلك إلى ضياع الحقوق فحسب، بل يؤدي إلى أضرارٍ أوسع وأشمل مثل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تعصف بالمجتمع وغيرها. وهنا يجب القول، إن الاهتمام بحقوق الملكية الفكرية في عصرنا الحالي قد أصبح ضرورة ملحة ولكن ذلك الاهتمام يجب ألا يتمثل فقط في النص القانوني وإنما يجب أن يمتد إلى تطبيقه لكي لا يُفرغ من قيمته.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال