الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتجاذبنا مشاغل الحياة المتشابكة.. وننغمس في تبعاتها ..ونتوه عن فلسفة اﻷشياء ومغازيها السامية، ولعل سيطرة الحياة المادية المعاصرة ومتطلباتها هي السبب الداعي لهذه الحال، فماكينة التسويق الجبارة قد وجهت أنظارنا نحو المنافع المادية للأشياء والأفعال أكثر من تأثيراتها المعنوية العميقة!
وللأسف إن اﻷمر قد انعكس على أكثر اﻷمور حساسية وتعقيدًا وهو العلاقات اﻹنسانية والتي أصبحت كثيرًا ما توصم بالجمود والنفعية والخواء! فقد تأثرت أواصر الصداقة, و العلاقات اﻷسرية الحميمة, وطغت روح المصالح على روح التكافل و المسؤولية اﻻجتماعية لدى معظم الكيانات التجارية!
أكاد أجزم أن الكثير منا يستشعر وحدة في نفسه وفراغًا رغم كثرة المناسبات اﻻجتماعية وتعدد وسائل اﻹلهاء والترفيه من حولنا.. هنالك أزمة “تعايش” تحكم معظم العلاقات الانسانية فالغالبية تشتكي وتتذمر من بيئة الأسرة وبيئة العمل, وتقلًص شعور الرضا الذي لطالما كان يبدو جلياً على محيا الجيل السابق رغم صعوبة الحياة آنذاك.. لقد سيطرت “المصالح والمنافع المادية” على مسرح العلاقات الانسانية, فأصبح جل تفكير معظمنا متمحور حول مواضيع
اللباس..السفر..والممتلكات..والسيارة..الجوال..ونحوها..وهي أمور ومظاهرﻻأنكر أهميتها ولكن يجب أن تكون بمركزها المستحق من سلم اﻷولويات !
ولعل من المشاهدات الحياتية أن البشر عمومًا يرون أن النجاح المادي وكثرة عرض الدنيا من أصول مادية وممتلكات هو مقياس النجاح.. ولكن لو سبرنا نفوس كثير من الميسورين مادياً لوجدنا منهم من يفتقد للضحكة الصادقة والقلب المحب والعلاقات اﻹنسانية السامية!
إن هذا التمركز حول الماديات والبعد أو اﻹهمال للمتع والمظاهر اللامادية من إثارة عقلية بعلوم وأفكار جديدة أو تمعن وتوثيق لمشاعر إنسانية راقية والبحث عن مكامن الجمال الحقيقية..كل هذا جعلنا نفتقد الروح الشفافة الصادقة والتي هي أساس من أسس الصحة النفسية.
لست أدعو بمقالي هذا إلى الزهد والتقشف بقدر ما أدعو إلى اﻹتزان وترتيب اﻷولويات..إننا بحاجة ماسة للنظر إلى الماديات على أنها معينات على الحياة الكريمة وليست هي صلب الحياة. وعلماء النفس المتخصصين بالصحة النفسية والتوازن بالشخصية يجزمون أن السعادة تقوم على عدة أعمدة لعل أحدها النجاح المادي.. ولكنهم يؤكدون في ذات الوقت على أهمية الرضا عن الذات تجاه الخالق جل وعلا..وتجاه اﻷسرة..وتجاه المجتمع.. وتجاه الذات! وهنا تبرز أهمية التوازن وترتيب اﻷولويات.
إن سمو الرغبات وترتيب اﻷولويات بحيث تأخذ الروحانيات والمبادئ ترتيبها المستحق في أعلى السلم هو مفتاح للسعادة قد غفل عنه الكثير.. فهل نكون منهم أم نستدرك أمرنا ونرجع للفطرة السليمة؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال