الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يوجد شخص معجزة يبرع في كل شئ، نعم قد يلم المرء بأمور عديدة ومختلفة في طبيعتها، لكن ان يبرع في كل شئ او حتى اشياء عديدة مختلفة بطبيعتها فهذا ان لم يكن مستحيل فهو من النوادر. وما ينطبق على الأفراد ينطبق كذلك على المجموعات بطبيعة الحال. هذا الأمر يفسر التوجه الدولي للشركات الدولية في التركيز على قطاع أو قطاعات مترابطة بطبيعتها. والسبب انه لا يمكن لرئيس شركة او لمجلس ادارة شركة ان يقوم على ادارة كيان متعدد في قطاعات عمله.
وقبل الاستطراد في المقال اود ان اوضح انني لا اقصد انه لا يمكن لشركة ان (تستثمر) في قطاعات مختلفة، بل اقصد انه لا يمكن لها ان تدير قطاعات مختلفة بطبيعتها، لأن كل قطاع يتطلب مهارات وعلوم مختلفة لا يمكن ان تجتمع في ادارة واحدة مهما بلغت درجة ذكائها واتسع أفق القائمين عليها، لأن الإدارة تتطلب قرار، والقرار يتطلب دراية عميقه وعلم وتخصص ايضا. ولكن قد يتبادر للذهن للوهلة الأولى شركات متشعبة في اعمالها وفي قطاعات تشغيلها، ولنا في جنرال الكترك مثال. فهذه الشركة نجحت الى عهد قريب في العمل في قطاعات كثيرة من الكهرباء ومرورا بالتمويل والأئتمان و محركات الطائرات والصرف الصحي ومعدات النفط والتقنية الطبية قبل ان تتخذ قرار تفكيكها وبيع جزء كبير منها و الاحتفاظ بجزء (كاستثمار). فلماذا نجحت في فترة زمنية ونمت قبل ان تصل لنتيجة مفادها ان هذا النموذج لا يمكن له الديمومة؟
لعل نجاحها السابق والذي حقق للشركة ارباح طائلة سابقا، بسبب ان النمو العالمي في هذه القطاعات والذي كان يغطي اي ضعف أو خلل، ولكن مع نضج وتباطئ النمو في هذه القطاعات، والاقتصاد العالمي عموما، اصبح من الصعب احكام القبضة الإدارية للمحافظة على ريادتها ومكانتها التي وصلت لها. بل وربما كبر الحجم قد يعيقها عن الطيران والتحليق في فضاء الريادة وخصوصا مع سهولة الإبتكار التقني في هذا العصر والذي لم يكن في ما مضى.
وعليه فالمنطق يقتضي التركيز على القطاعات التي تملك بها الشركة ميزه نسبية والتخلص مما لا تملك فيه الريادة او الإحتفاظ بها كأستثمار مع التنازل عن الإدارة لشريك يملك العلم والقدرة والريادة على الاستمرار بها بل ربما حتى اخذها لمراحل اكثر تطورا و تقدم.
فلا يمكن لرئيس جنرال الكترك او حتى لمجلس ادارتها اتخاذ القرار الصائب لكافة قطاعاتها المختلفة والمتشعبة بطبيعتها، لانه لا يمكن ان تتوفر كافة جوانب وخبايا كافة القطاعات لشخص او لمجلس ادارة مهما بلغ من علم وفطنة، فتحقيق الريادة في الاجهزة الطبية والأئتمان والمعدات النفطية ومحركات الطائرات و ادارة الصرف الصحي والكهرباء وغيرها في نفس الوقت ومن نفس الفرد او الافراد مستحيل.
وعليه فالصواب تفكيك الشركة الى شركات وبيع ما يرونه يحقق الفائدة للمساهمين والأبقاء على ما يرونه مجدي ( كأستثمار) بإدارة مستقلة ومجلس ادارة مستقل مع تمثيل جنرال الكترك وفق حصصها في الأستثمار بعد ادخال شركاء جدد يملكون ما يكفي للنهوض بها هو القرار الصائب والمنطقي. وهذا هو التوجه فعليا لجنرال الكترك منذ أزمة الرهن العقاري والتباطئ العالمي.
والتوجه لتفكيك الشركات الكبيرة ذات النشاطات المتعددة نشط في العالم، والأرقام والنتائج تشير لجدواه على ارض الواقع. نحن في بلادنا جربنا هذا التوجه مع عدد من الشركات الحكومية من خلال خصخصة جزء من اعمالها لذوي التخصص فيها، وهذا زاد كفاءتها اداريا ولا شك زاد ايضا في صحة وملاءة ماليتها. نحن نعيش في عصر التخصص، وتبني العصر لهذا المفهوم جاء بعد تجارب و دراسات عميقة، الأرقام تؤيد نجاح هذا التوجه، والمضي في هذا الطريق صواب و كفاءة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال