الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يدر بخلدي وأنا المهندس المقبل على حياتي العملية أن أتسنم مقاليد أهم أدارة في مصنع الشركة السعودية للأنابيب الصلب بقيادة مديرها التنفيذي حينذاك المهندس رياض يوسف الربيعة و مديرها الأداري طارق طه الخليوي و ذلك عام 1992 الميلادي. بعد أن تم أختياري للعمل كمهندس أنتاج تحت التدريب، وكنت أبتدأ يومي بأخذ الأرشادات من كبير مهندسي الأنتاج ثم ألبس خوذة رأسي, اخذا دفتر ملاحظاتي ، أناقش تلك الملاحظات المجمعة عند رجوعي الى مكتبي مع رئيسي مستوضحا ما غاب عن أدراكي وفهمي ثم متعمقا في سبر أصل المعلومة عمليا من خلال الرجوع الى المراجع المختصة.
بعد فترة ليست بالطويلة نسبيا تقرر نقلي الى قسم اخر من أقسام الشركة لا يقل أهمية من قسم الأنتاج أن لم نبالغ بأن نقول بأنه القسم الأهم في الشركة، وذاك هو قسم ضبط وتأكيد الجودة و ذلك لأنه خط الدفاع الأول للشركة أمام عملائها.
لم يكن القرار سهلا ولم يكن القبول به لمهندس حديث بالشركة بالمبهج كثيرا، فمسؤليات رئاسة مثل هذا القسم لا تنحصر بمسؤلياته الداخلية وتقاطعاته مع الأقسام الأخرى، بل تمتد لأن يكون الممثل الأول والوحيد للشركة أمام عملائها الممتدين داخل المملكة وخارجها.
هذه المسؤلية تحتاج الى كم معرفي كبير وخبرة معرفية متراكمة تمتد الى ما بعد المعرفة الفنية، وهنا تكمن صعوبة رئاسة مثل هذا القسم. كان هذا القرار و القبول به يتطلب الجلوس مع الأدارة العليا لمناقشته قبل القبول به، وهكذا كان.
كان الأجتماع الأول مع المدير التنفيذي الأستاذ رياض يوسف الربيعة و المدير الأداري طارق طه الخليوي وكانت خلاصته ما يمكن أن أسميه ” استراتيجية الموارد البشرية للتمكين” حيث أوضح المدير التنفيذي أنه بعد الأستعانة بالله تعالى و أيمانا بقدراتك الشابة تقرر أن تكون على رئاسة قسم ضبط وتوكيد الجودة و عليك بذل الجهد المخلص وعلينا الدعم و المساندة. بهذا التلخيص الموجز الذي ينم عن معرفة دقيقة من لدن الأدارة العليا في معرفة متطلبات الأدارة الناجحة.
فأول الأمر الأستعانة بالله في أتخاذ أي قرار أو جهد يقدم عليه الأنسان أن لم يكن متكا على الله لا يمكن أن يستقيم، وكيف له ذلك وهو مبتعدا عن القدرة المطلقة التي تدير الوجود. ليس هذا فقط بل الأحساس أن الأمر هذا او ذاك مستعينا به على الله يشعر الأنسان شعورا أيجابيا نحو المستقبل وما يحويه من المجهول بأن الأمر سيتم كما رسم له و يثير في نفسه الشُّعور بالقوَّة، والنَّصر، والتَّغلُّب على الصعاب.
بالأضافة الى ماسبق فأن التَّوكُّل على الله يفتح على الأنسان سبل الأفاق المعرفيّة، فيرى الأشياء بوضوح، لأنَّ التَّوكُّل يُشعر الإنسان بالاطمئنان ويُبعد عنه القلق والاضطراب مما ينتج عنه أخذ القرارت الصحيحة.
أمر اخر يضيفه التوكل على الله وهو البعد عن اليأس والأحباط الذي ممكن أن يعتريه الفرد في المسير الى أهدافه لأنّ الله تبارك وتعالى حكيم في هذا العالم، ومن حكمته في كثير من الأحايين أن يُرجئ النتائج من أجل صلاح الإنسان، الذي لا يكتشف ذلك إلا بعد حين.
ثانيا أيمان الأدارة العليا بموظفيها: يعتبر هذا الأمر من أهم الحوافز التي يمكن أن يتكأ عليها الموظف لأخراج كل مالديه من طاقات جسدية ومعرفية كامنه نحو تحقيق الأهداف المرسومة. أنه لمن المعلوم أن الشركات ترتكز نجاحاتها على مرتكزين أساسيين, الموارد المادية و الموارد البشرية. وتلعب الموارد البشرية الدور الأكبر في أنجاح الشركات العملاقة ومنه تستمد قوتها.
لذا كان لزاما على الأدارة العليا أن تلي هذا الجانب القدر الكافي من الأهتمام. ومن هنا جاءت سياسة التحفيز بعدة أشكالها لتشعر الموظفين بمدى أهميتهم للشركة. ولعلى أحدى أهم سياسات التحفيز هي الأيمان به. ونعني هنا الأيمان بالقدرات الكامنه لدية والتي يمكن أستثمارها ايجابيا للشركة.
أن مثل هذا التحفيز يزيد من رضا الموظفين مما ينعكس على ولائهم وأنتمائهم. بهذه الصورة من التحفيز الأيجابي من الشركة أتجاه العاملين لديها، يمكنها التحقيق و المزاوجه بين أهدافها وأهداف العاملين و رضاهم.
بدون هذا الأرتكاز على ثقة الأدارة تظل الطاقات مكبوته داخل الموظف أن لم تمت بعد حين ويسيطر حس الأمبالاة على حياة الموظف العملية وتنفك عرى الولاء و الأنتماء رويدا رويدا، لذا يرى الموظف أن أولى أبداعاته تأتي من الأشارات التحفيزية التى ترسلها الأدارة نحو موظفيها ومدى قدرة الموظف في التقاط مثل هذه الأشارات و تفعيلها. أن أعطاء الفرصة والأيمان في قدرات موظفي أي منظمة هي الشعلة الأولى لأبداعات موظفيها و هذا ما تشهد به الدراسات في علم الموارد البشرية.
أما ثالث هذه المرتكزات، هو أيمان الشخص وثقته بنفسه, بأنه قادر على العطاء. أن مثل هذا الأيمان يعتبر المصدر الأهم في التغلب على الصعاب التى قد تواجه الموظف في حياته العملية. اذ أن المسيرة العملية ليست كلها أياما وردية، بيضاء و مفروشة بالسجاد الأحمر يمشي عليها بكل أريحية.
أن الثقة بالنفس والتي هي (إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته التي أودعها الله فيه؛ أي الإيمان بذاته). تكون دافعاللعمل المتواصل على تنمية القدرات بالتعلم سواء من التجارب المختلفة بما تحمله من نجاحات أو عثرات، أم بزيادة المعارف واكتساب مهارات جديدة دائماً. كما أنها مفتاح النجاح في الحياة ولا ينجح الأنسان ما لم يتحلى بقدرعال من المسؤلية و هذا ما تنميه الثقةبالنفس.فالنجاح يحتاج الى قدر كبير من الثقة بالنفس حتى يتمكن الأنسان على مقاومة لحظات الفشل و الصعوبات التي يمر من خلالها في مسيرته العملية.
أن احترام الذات والشعور بالايجابية والقدرة على الفعل وتحقيق الاهداف كلها من المظاهر الأيجابية للثقة بالنفس و التي تعمل مجتمعة كوقود للنجاح. هذا النجاح يثير في النفس الحب في تطوير الذات و أكتساب مهارات اخرى والقدرة على حل المشكلات بطريقة أبداعية تكون سببا اخر الى التقدم في سلم النجاح, وهذا مايسمى القانون الطردي مابين الثقة بالنفس والنجاح المتواصل و عكسه ان يفقد الشخص ثقته بنفسه و بذا يكون فاقدا للنجاحات وعالقا في مكانه وتبدأ دوامه تأنيب الضمير ولوم المحيط , المجتمع والمنظمة.
اخيرا لابد لنا من ان نذكر ثمرات هذه الثقة بالنفس والتى منها الكثير ولكن لنا ان نختصر اهمها: القدرة على التخطيط المسبق والذي ينظر الى الأمكانات المتوفره و الأهداف المراد تحقيقها و الموائمة بينهما, قوة الانجاز و تجذيره و زيادة الانتاجيه وكذلك الرضا المتبادل ما بين الموظف عن نفسه و رضا الشركة عن أداءه.
ونحن على هذه الأرض المعطاءة منطلقين نحو تحقيق رؤية القيادة نحو مجتمع زاهر مرتكزة على رؤية 2030، في تمكين أكبر لأبنائها في البناء ودفع عجلة النمو والأنتاج ,آن الأوان أن ينظر المسؤلين على قمة الهرم الأداري و مسؤلي الموارد البشرية في الأيمان بطاقات أبنائهم بأنهم قادرين على العطاء متى سنحت لهم الفرصة و الموظف بأنه يمتلك من الطاقات ما تحقق به الأهداف. وأن يكون المسير كله مرتبطا بالأيمان والأتكال على الله سبحانه لأنه مصدر الموفقية المطلقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال