الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ظهر مفهوم اقتصادي جديد عُرف بإسم (Offshore) ويعني “قبالة الساحل” أو بالتحديد الاستثمار خارج الأراضي. وهو مصطلح يقصد به تجارياً تأسيس كيان في بلد أجنبي ليكون امتداداً للشركة الام. تأسس هذا المبدأ كنموذج عمل (Business Model) لدى الشركات الصناعية في الدول المتقدمة مع ازدياد الهاجس لدى القوى العاملة في تلك الدول خوفاً من انعكاساتها السلبية على وفرة الوظائف والتي ظهرت على السطح في السنوات اللاحقة.
هذا المبدأ يرمي الى عدة اهداف اقتصادية وقانونية مختلفة مثل تقليل الاستحقاق الضريبي، الاستفادة من تباين الملاحقة القانونية، استغلال الموارد واهمها انخفاض تكاليف اليد العاملة وهي تحديات رئيسة تواجهها الشركات في الدول المتقدمة. في المقابل، ترحب دائما الدول النامية المستضيفة بهذا النموذج حيث أن جلب الاستثمارات اليها يؤدي الى تنمية اقتصادية وتشغيل القوى العاملة وحل مشكلة البطالة لديها.
وعلى مر عدة عقود من الزمن جنت الشركات الصناعية الكثير من الأرباح مستفيدة من رخص اليد العاملة في تلك الدول بالرغم من تحملها تكاليف أخرى مصاحبة تتعلق بالإدارة عن بعد، ضبط الجودة، والحوكمة.
نموذج العمل هذا والذي لا يزال قائماً أصبح معرضاً للتغيير قريباً بفعل ما ستحدثه التقنيات الحديثة من “غربلة” للموازين (Disruption). التقنيات الحديثة مثل أتمته الإجراءات (RPA)، الآلات الذكية (Robots)، الطابعات ثلاثية الأبعاد (3D Printing)، تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI)، جميعها ستخلق هجرة اقتصادية عكسية تجعل المصانع وخطوط الانتاج تعود مرة اخرى الى مقارها الرئيسة في الدول الصناعية المتقدمة.
التقنيات الحديثة ستوفر قدرات التشغيل والانتاج عن طريق الروبوتات الذكية وجمع البيانات الضخمة وتحليلها والتعلم الذاتي وتطوير الاداء والتعامل مع العملاء وارسال الشحنات وإنهاء الإجراءات تلقائياً وتقريباً استبدال كل ما يقوم به الكائن البشري! وجود خطوط الإنتاج ضمن محيط الشركات الصناعية تقدم ميزة إضافية أخرى لها تجعلها تتخلص حتى من التكاليف المصاحبة التي تتحملها في حال وجود المصانع في الأراضي الأجنبية وبهذا تضاعف الشركات الصناعية من أرباحها.
هذا التحول سيكون على حساب اقتصادات الدول النامية حيث ستزيد فيها نسب البطالة تدريجيا مع هجرة الاستثمارات العكسية. وكما عانت وخسرت العمالة كثيراً وظائفها في الدول المتقدمة سابقا سيأتي الدور على الدول النامية. بالرغم من أن التأثير السلبي على توفر الوظائف “التقليدية” يعم الجميع، الا أن الدول النامية ستعاني أكثر من غيرها نظرا لشح فرص التعليم وأدوات التطوير لاكتساب المهارات والخبرات لمواكبة تقنيات هذا المستقبل الجديد.
بقدر ما ستحدثه التقنيات الحديثة من تغيير لنماذج للأعمال وتهديد في شغل الوظائف التقليدية الا أنها سوف تخلق في المقابل فرصاً عظيمة ومتنوعة لمن يستطيع حجز مقعده مع الفريق الصانع للتقنية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال