الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“يابو عبد العزيز تكفى!! نشف ريقي وقتلني الجوع، تأخير نصف ساعة يجعلك تجبرني على العمل أربع ساعات إضافية !!”
“تستطيع الذهاب الآن، وإن لم أراك على طاولتك غدا صباحا قبل أن نفتح أبواب الفرع، فتأكد أنك لن تخرج قبل منتصف الليل”.
كان هذا مديري عبد الرحمن و هو يؤدبني على تأخير نصف ساعه أثناء عملنا سابقا في فرع شركة اتصالات. عبد الرحمن كان أهون كثيرا من عبد الله، و هو مديري في شركة أخرى كان عملنا فيها ميدانيا. مهما حاولت أن تشرح لعبد الله وجود عوامل طبيعية كالغبار و الحر والرطوبة والأمطار والسيول، كان رد عبد الله دائما نفسه “العذر الوحيد الذي سأقبله اذا لم أجدك في الميدان أثناء فترة عملك هو أن يقولوا لي انك ميت”.
سبب هذه المعاملة القاسية جدا هو أن لدينا أهدافا بيعيه و تسويقية يجب تحقيقها، التأخر عنها يعني عجزا ماليا. العجز المالي يعني تأخير رواتب و مكافآت، تأخير الرواتب يعني أن هناك مئات من البيوت ستتخلف عن تسديد الإيجارات و عن دفع الفواتير. هذه التراكمات تعني أن أداء الموظفين و الشركة بدورها سيتدهور، الأداء السيئ يعني ان هناك الاف المساهمين سيرون رؤوس أموالهم التي بذلوا عمرهم في تحصيلها تحترق أمام أعينهم، وأن مصير مئات الموظفين قد يكون التسريح اذا مارحل المساهمون.
كموظف شاب لم أكن أهتم لهذا كله فعلا، ماكان يجعلني أتحمل هذ النكد اليومي كان حاجتي للمال، و عدم وجود بدائل عن إيجاد وظيفة والصبر عليها. لم يكن هناك تويتر أبث فيه تظلماتي، كل ماكان لدي هو دفتر ذكريات أخبئه عن أعين زملائي في ذلك الوقت لانعدام تقديرهم لأي تعبير متحضر عن المشاعر.
ما دفعني لمشاركة شريط الذكريات هذا هو كم التعاطف الهائل الذي رأيته في تويتر مع موظفة سعودية تم فصلها من العمل كبائعة في فرع شركة ملابس رياضية. هذه الموظفة غردت في تويتر أن مديرها الهندي كان دائم القسوة عليهم والظلم لهم، وأن الشركة فصلتها بسبب انها قالت الحقيقة وهم يريدون طرد السعوديين وإبقاء الأجانب على حد قولها.
تذكرت فورا هذا الفرع لهذه الشركة، زرته أنا و زوجتي قبل شهر تقريبا. أب و أم بميزانية مفتوحة لتجديد دولاب ملابس ثلاثة أطفال، فرصه ذهبيه لأي موظف لإقفال هدفه البيعي. درنا، ودرنا، و لم يلتفت لنا أحد، حتى هتفنا فإذا بفتاة كانت عابرة من خلفنا تتوقف لخدمتنا. نظرنا اليها باستغراب، في اليد اليمنى كوب قهوه، في اليد اليسرى بسبوسه، و كانت اجاباتها بصيغة: البضاعة هي ماترونه أمامكم. غادرنا المحل و نحن نتذكر زيارتنا لفرع ذات الشركة في دبي، عندما كادت الموظفة أن تبيعنا حتى ماكينة الكاشير.
بالمناسبة، نسيت أن أذكر أن عبد الرحمن قام بترقيتي، وأن عبد الله قام بترقيتي، وأنهم كانوا و لايزالون أعز أصدقائي. وأن ماتعلمته، رغما عني، خلال تلك الفترة ساعدني في رفع مرتبتي الوظيفية ومرتبي الشهري أضعاف عديدة لاحقا. وأن عبد الرحمن سعودي، وأن عبد الله مصري، و أن عدم قبولهم لأي تقصير من فريقهم، بغض النظر عن جنسية الفرد فيه، أدى لرفع أداء هذا الفريق وفتح فرص الترقي أمامهم.
العمل التجاري ورأس المال يقدرون الأرباح فقط، ويحبون ويحافظون على من يجلب المزيد من الربح بغض النظر عن جنسيته أو شخصيته. لذلك تجد الحكومات تضع شروط توطين لأصحاب الأعمال، وفي ذات الوقت تقدم فرص التدريب والتطوير للباحثين عن عمل.
يجب أن نتوقف عن افساد بعضنا بالتعاطف مع التقصير بحجة أن المقصر سعودي وأن هناك من يحاربه، الجنسية السعودية هي مسؤولية، وليست فقط تشريفا. واجبنا هو أن يكون الموظف السعودي والموظفة السعودية، بغض النظر عن أية ظروف، هم مثال للتميز والانضباط والصبر ورفع الأرباح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال