الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تطوّر مفهوم المدن لم يمر بمراحل كثيرة منذ تأسيس أول مدينة، والتي يقال أنها دمشق عاصمة سوريا، وحتى يومنا هذا في الربع الأول من القرن 21. فمثلاً لم يتخلص العالم من الأسوار التي بدأت مبكراً في أغلب أنحاء العالم إلا في الربع الأول والثاني من القرن العشرين. مدينة جدة التاريخية مثلاً لم يتم إزالة أسوارها إلا في منتصف القرن العشرين فكانت مدينة محدودة المساحة وتغلق أبوابها ليلاً ويحدد من يدخل ويخرج “تعتبر شبه مجمع سكني كبير قليلاً”.
يتذكر المعاصرون في جدة إزالة السور وإنشاء أول حي خارجه ثم تمددها على طول السهل الساحلى حتى أصبحت “جدة” محافظة كبرى تضم عدداً من المدن والقرى. ويزيد عدد سكانها عن 4 مليون نسمة. وهنا نلاحظ أننا خرجنا من مفهوم المدن “المسورة” المحدودة المساحة والعدد؛ إلى تمدد غير مدروس وزيادة غير مدروسة في التعداد؛ وتقلبات مخيفة في الديموغرافية والثقافة.
قبل عدة سنوات عندما تم إنشاء مدينة الملك عبدالله الإقتصادية KAEC كإمتداد متحضر لجدة. لاحظنا تسويرها وتحديد الدخول والخروج منها؛ تذكرنا مباشرة جدة القديمة التي ظلت لسنوات طويلة على هذا الحال، فهل كان قرارهم يمثل عودة للوراء في مفهوم المدن، بإنشاء مدينة مغلقة مسورة بمساحة تزيد عن واشنطن دي سي!! في تجربة تعد الأولى من نوعها لتسوير مدينة بهذه المساحة في العالم “أتمنى أن أجد لها مثيلاً في ذلك”. أم أن مفهوم المدن “المسورة” عائد مجدداً لتلافي عشوائية التمدد ولمزيد من الضبط الأمني.
وهنا يقودنا التفكير إلى شكل المدن الذكية، وإستناداً على أهمية الجانب الأمني، ولتلافي تغيير الديموغرافية والتركيبه الثقافية للمدن الجديدة، فإنني أرى جلياً توجهات المشرع بالعودة للأسوار سواءً في نيوم أو القدية وأجزاء من مشروع البحر الأحمر. والأهم من ذلك هو أن تزود هذه المدن بسلطة محلية تديرها ذاتياً من خلال تطبيق ضريبة المدينة وضريبة الدخل على كل مقيم بالمدينة. وبالتالي صرفها على وجهات الصرف الخدمية، ويفترض بهذه المدن أن تكون تقنية المباني صديقة للبيئة وأن تؤدي عمليات التدوير إلى إغلاق مرادم النفايات البلدية والصناعية. وأن 70 الى 100% من إحتياج الكهرباء يكون من إنتاج تقنيات صديقة للبيئة مثل طاقة الرياح و الشمس وحتى الأمواج.
من ناحية أخرى، ستقلل تقنيات البناء بالطابعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات والذكاء الصناعي وغيرها من فرص العمل في مختلف المجالات حيث ستحل الألة بديلاً للانسان. ولكن ربما سيزيد ذلك من فرص العمل للباحث والمفكر لإيجاد مزيد من الطرق المختصرة للوصول إلى نتائج تهدف لحل أي مشكلات تواجه رفاهية المجتمع. هذا تصور شخصي لما ستكون عليه مدن المستقبل، وسيبقى من لا يرغب خارجها يبحث عن فرصته في الصحراء وربما يضيع وحيداً فلا يجد شيئاً إلا سراب أسوار مدينة جديدة؛ مدينة ذكية “مسورة”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال