الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يبدو أن الفجور في الخصومة بلغ ببعض العرب حدا تجاوز كل القيم الإنسانية ، خرج نائب أردني بعد الاجتماع الرباعي في مكة المكرمة لدعم الأردن ، ليهاجم السعودية والكويت والإمارات، ويقلل من قيمة الدعم المقدم من هذه الدول للأردن . الحقيقة أنني لم أكن لأرد عليه وأكتفي بمداخلتي في قناة العربية عن الموضوع، لو أنه توقف عند الجانب السياسي المعروف توجهه، ولم يقلب الحقائق الاقتصادية .
الأردن بلد محدود الموارد ، ويعاني من ديون متراكمة تتجاوز 31 مليار دولار ، وهو ما يمثل أكثر من 94٪ من الناتج القومي ، لذلك لجأت الأردن للبنك الدولي لمساعدتها على إصلاح اقتصادها، وقدم لها البنك الدولي قرضا بلغ 723 مليار دولار بنهاية 2016 على ثلاث سنوات ، على أن يُنفذ الأردن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية ، تتمثل في سياسة تقشفية ، تؤدي إلى رفع الدعم عن كثير من السلع ، وخفض التوظيف الحكومي وغيرها من الإجراءات التقشفية.
ولزيادة الإيرادات لجأت الحكومة الأردنية لرفع أسعار الوقود، وفرض ضريبة الدخل لمن يتجاوز دخلهم السنوي 8000 دينار . وأدت تلك الإجراءات إلى ضغوط اقتصادية على المواطنين ، نتج عنها قيام مظاهرات تطالب الحكومة بوقف تلك الإصلاحات .
الأخ النائب، لم تعجبه 2.5 مليار دولار المقدمة من الدول الخليجية الثلاث، ورآها أقل مما (يجب) على الدول الداعمة أن تقدمه للأردن، وتوقع أن المبلغ المقدم لم يكن ليقل عن 20 مليار دولار ؟؟؟؟ أي أكثر من 60٪ من الناتج القومي الأردني ، بل إنه بالغ في تجنيه وطالب بـ 30 مليار دولار أو سداد كامل الدين أي 32 مليار دولار تقريبا. وهنا حضرة النائب أسألك .. أي سيادة وكرامة ستبقى للأردن بعد هذا الدعم الذي تطالب به؟؟ ثم أي منطق يلزم أي دولة في العالم تحمل كامل ديون دولة أخرى، إلا إذا كانت تحت احتلالها .
ليس ذلك الفجور في المطالبة هو المهم ، فهو ضد دول يكن لها الأخ النائب الكراهية بحكم انتمائه السياسي، المهم أن ما طالب به حضرته يعد كارثة اقتصادية على الأردن نفسه.
أولا لا يمكن أن ينهي ذلك المبلغ مديونية الأردن ، فلن يُقَدم كل ذلك المبلغ الضخم كهبة، ما يعني أن الأردن سيظل قابعا تحت وطأة الديون، وكل ما سيحدث أن ينتقل الدين من دائن لأخر . وذلك المبلغ سيوهم الشعب وربما الحكومة أن الازمة الاقتصادية قد انتهت، ما يعني أنهم سيتجهون للمطالبة بوقف الإصلاحات الاقتصادية، بل إن ذلك ما سيحدث فعلا ، فالوفرة النقدية تعني قطعا رغبة في الإنفاق ، وعدم القدرة على فرض مزيد من التقشف، والتوقف عن إصلاح أسعار الوقود لتتوافق مع التكلفة، وعدم تحسين إيرادات الدولة الضعيفة ، أي أن الأردن في الجانب الإصلاحي سوف يعود لنقطة الصفر، وهذا على المدى المتوسط والبعيد سيضر بالاقتصاد الأردني كثيرا ، وسيعيدالأزمة إلى أسوأ مما كانت عليه.
أما الكارثة الأكبر التي لم يحسب لها الأخ النائب حسابا وهو ينفث سمومه على الدول المانحة ، فهو التضخم المهول الذي سيضرب الاقتصاد الأردني ، والذي سيقضي على الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل تماما ، فدخول كل تلك الأموال إلى الاقتصاد الأردني الضعيف يعني ارتفاعا جنونيا في أسعار كل شيء ، ولن تستطيع دخول الأفراد المحدودة مجاراة ذلك الارتفاع مطلقا . وسيؤدي التضخم إلى إفلاس كثير من الشركات ، خصوصا في قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة ، فالتضخم سيرفع التكاليف مصحوبا بركود نتيجة التضخم وضعف القوة الشرائية ، وهو ما يسمى (الركود التضخمي) ، وهو الركود الناتج عن التضخم، لأنه نتيجة دخول أموال دون أنتاج من الاقتصاد، وذلك أخطر أنواع الأمراض الاقتصادية.
في لقاء قناة العربية ذكر الزميل من الأردن فيصل الملكاوي أن الدعم متكامل من جميع الجوانب ، وهو كذلك فعلا ، ولا تحتاج الأردن أكثر من ذلك ، وكل ما تحتاجه العمل من الداخل للاستفادة من ذلك الدعم .
أولا الضمان لدى البنك الدولي، يكفي فيه وجود السعودية إحدى قوى مجموعة العشرين ، فكيف إذا أضيف إليها ثاني وثالث أقوى اقتصادين عربيين الإمارات والكويت . والضمان لدى البنك الدولي ، يعني تخفيف الضغوط على الأردن من قبل البنك في التسريع بالإصلاحات الاقتصادية، ويمكن إبطاء وتيرتها، وذلك سيخفف الضغط عن المواطن الأردني دون التخلي عن الإصلاحات، كما أن ذلك الضمان يعطيها ثقة لدى بقية الدائنين .
أما الوديعة في البنك المركزي الأردني فهي المحرك الأساسي للاقتصاد ، فمن جانب تحافظ على الدينار من الانهيار ، وبالتالي تمنع التضخم أو تجعله في حدود المقبول والمقدور عليه ، ومن جانب أخر تساعد الوديعة في تنشيط القطاع المصرفي ، والسماح بالتوسع في الإقراض مما ينتج عنه تنشيط حركة الاقتصاد، دون التأثير على التضخم سلبا ، ومساعدة القطاع الخاص على النمو .
أما دعم الميزانية لخمس سنوات فيعطي الحكومة راحة في تخطيط الميزانية دون ضغوط، كما يضمن مستوى معين من التوظيف، وسداد الرواتب، وذلك يسهم في تنشيط الاقتصاد بدعم الإنفاق الحكومي، والقوة الشرائية للمواطنين، وإعطاء الحكومة وقت كافي للخروج من الأزمة الحالية ، خصوصا أن الاقتصاد العالمي يتجه إلى التعافي .
أخيرا دعم المشاريع التنموية ، له عدة فوائد ، أولها مباشر بإنشاء مشاريع تنموية، وتلك المشاريع لها عوائد اقتصادية كبيرة أيا كان نوعها، كما أن ذلك الدعم يرفع عن كاهل الميزانية الكثير من التكاليف التي تستطيع توجيهها إلى مجالات أخرى ، والأهم أن المشاريع المدعومة تخلق الكثير من الوظائف أثناء الإنشاء ، وبعد الانتهاء .
حزمة المساعدات التي قدمت للأردن تحقق للاقتصاد الأردني النمو ، مع المحافظة على الاستمرار في الإصلاحات، دون الضغط على المواطن الأردني ، وذلك بالضبط ما يحتاجه الأردن وما يفيده .
كل ذلك لم يره الأخ النائب لأن عين الساخط لا ترى إلا المساوئ، ولم يعجبه 2.5 مليار دولار الذي يتجاوز 7٪ من الناتج القومي الأردني ، وأراد مشاركة الدول الداعمة في دخلها بتحمل الناتج القومي الأردني كاملا ، كما لم يرى سيادته أكثر من 400 ألف أردني يعملون في الأراضي السعودية وحدها ، ويمثلون بتحويلاتهم واحدا من أهم روافد الاقتصاد الأردني .
أخير أذكر الأخ النائب بقوله تعالى إن كان يدرك معناه (ما على المحسنين من سبيل)، ستظل المملكة العربية السعودية محسنة رغم إساءات السيئين ، فأهل الخير أكثر ويستحقون الإحسان .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال