الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
برزت فى السنوات الأخيرة تقنيات الزراعة الرأسية كأحد الحلول الحديثة للتغلب على العديد من المشاكل المرتبطة بالإستدامة فى الإنتاج الزراعى ورفع كفاءة استغلال الموارد الطبيعية فى الزراعة والتعامل مع شح الأراضي وندرة المياة لمواجهة الطلب المتزايد على الغذاء عالميا مع محدودية الموارد الطبيعية المتاحة.
تعد الزراعة الرأسية كاحد نظم الزراعة المحمية المتقدمة حيث تزرع النباتات تحت اعلى درجات الحماية فى بيئة ممعزولة تماما عن البيئة الطبيعية بما فى ذلك التربة الطبيعة حيث تزرع النباتات بدون تربة فيما يسمى انظمة الهيدروبونك كما تستخدم الإضاءة الصناعية كبديل عن الإضاءة الطبيعية.
بدأت مشاريع الزراعة الرأسية فى الإنتشار على المستوى التجاري فى بعض الدول الأسيوية مثل اليابان والصين خلال العقدين الماضيين، وتركز نظم الزراعة الرأسية التجارية على زراعة محاصيل الخضر الصغيرة مثل الورقيات والأعشاب الطبية والعطرية (Herbs). خلال السنوات الماضية بدأت تنتشر المزارع الرأسية فى العديد من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية ضمن توجهه جديد يعرف بالزراعة الحضرية (Urban Culture). يهدف هذا المفهوم الي جعل المدن الكبيرة والتى سوف تجذب المزيد من الكثافة السكانية فى المستقبل قادرة على انتاج جزء من غذائها وخفض حركة نقل المنتجات من مناطق الإنتاج الى مناطق الإستهلاك لأهداف بيئيه منها خفض انبعاثات الكربون.
مايميز نظم الزراعة الرأسية مقارنة بأنظمة الزراعة المحمية الأخري هو وجودها داخل او قريب جدا من التجمعات الحضرية وكذلك الأستخدام الأمثل للمساحات والمياة (حيث توفر اكثر من 90% من مياة الرى) واستخدام التقنيات الحديثة للتحكم فى بيئة الزراعة وكذلك الإنتاج على مدار العام وانتاج اغذية صحية لا تستخدم فيها المبيدات الكيماوية نهائيا ومحمية من التلوث البيولوجي.
خلال العامين الماضيين بدأت بعض الشركات تسويق هذه النظم الزراعية فى المملكة ودول الخليج على اعتبار ان نظم الزراعة الرأسية احد اهم الحلول للتغلب الظروف البيئية الغير ملائمه للزراعة وندرة المياة وجعل هذة البيئة الصحراويه ذات الظروف البيئية القاسية والموارد المائية المحدودة قادرة على المساهمة فى جزء من الأمن الغذائي لسكانها. لذا فان الزراعة الرأسية من التقنيات الحديثة فى الزراعة والتى تحظي بدعم صندوق التنمية الزراعى فى المملكة.
ما ينبغي اخذه في الإعتبار ان هذه التقنية غير محتكرة وموجودة فى الأسواق العالمية وخاصة الأسيوية، بل ان جزء كبير من مكوناتها يمكن تصنيعه محليا. تتميز مشاريع الزراعة الرأسية بتكاليفها الرأسمالية العالية عند الإنشاء وكذلك تكاليف التشغيل، حيث تشكل تكلفة الطاقة الجزء الأكبر من تكاليف التشغيل. بالرغم من الإنخفاض الكبير فى استهلاك الطاقة مع تطور انظمة اضاءة الليد الحديثة المستخدمه فى نظم الزراعة الرأسية واللتي ساهمت بشكل كبير فى خفض التكلفة إلا انها لاتزال من ابرز التحديات الحالية لهذة المشاريع. وربما تساهم التظورات الكبيرة فى خفض تكاليف الطاقة المتجددة فى تجاوز هذه التحديات.
لذا فإن نجاح الإستثمار فى مثل هذه المشاريع يعتمد فى المقام الأول على خفض تكاليف التشغيل وبالتالي خفض تكاليف الإنتاج وثانيا فى القدرة على فتح قنوات تسويقية لهذة المنتجات العالية الجودة الخالية من متبقيات المبيدات وتمييزها عن المنتجات التقليدية الأخري.
وكما ذكرنا فإن مشاريع الزراعة الرأسية التجارية حاليا تركز على الخضر الورقية. ولو نظرنا الى قطاع الخضر الورقية فى المملكة نجد انها تنتج فى الغالب في مزراع صغيرة ومتوسطة تعتمد على تكثيف العمالة الزراعية وفى الغالب تنتج في مزارع مستأجرة تقوم عليها عمالة تسيطر علي هذا القطاع انتاجا وتسويقا.
انتشار هذه المزارع الصغيرة بعدد كبير جدا وضعف الرقابة على سلامة هذه المنتجات من التلوث جعلها من اكبر مصادر القلق للمستهلك، والتي قد تشكل فاتورة باهضة على الصحة العامة فى المملكة، حيث تستهلك الورقيات فى وقت وجيز بعد حصادها مما يعرض المستهلك لخطر الملوثات الكيماوية من متبقيات المبيدات او البيولوجية الأخرى من مياة الري او خلال عملية التداول.
لاشك ان دخول تقنيات الزراعة الرأسية لإنتاج الخضر الورقية في المملكة هو احد الحلول لتحويل هذا القطاع الى صناعة متقدمة ترتكز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتساهم فى توليد وظائف نوعية جديدة وتخفض من اعداد العمالة الزراعية التقليدية وتقدم منتجات صحية وسليمة وخالية من المبيدات الكيماوية والملوثات البيولوجية، كذلك فان استخدام هذه التقنيات الزراعية الحديثة سوف يجعل الوظائف فى هذا القطاع اكثر جاذبية للشباب من الوظائف التقليدية فى القطاع الزراعي و يفتح المجال امام المرأة للعمل فى هذا القطاع.
تتزايد اعداد الشركات المستثمرة فى الزراعة الرأسية عالميا، وتتقدم تقنياتها بشكل مذهل، ففي فبراير 2017م افتتحت احدى المزارع الرأسية فى طوكيو والتي تنتج يوميا 30 الف وحدة من الخس بدون اي عنصر بشرى فى المزرعة وتوفر 95% من مياة الرى، حيث تعتمد بشكل كلي على الروبوت. كما يتوقع ان ترتفع نسب الخضر الورقية المنتج فى المزارع الرأسية فى الولايات المتحدة الى 50% بحلول عام 2030م.
الإستثمار فى هذه التقنيات الزراعية الحديثة سوف يعزز من استدامة التنمية الزراعية ودعم هذه التقنيات الحديثة سوف يساهم فى تحقيق جزء من الأمن الغذائي للمملكة وتحسين سلامة منتجات الخضر الورقية لأن سلامة هذه المنتجات للإستهلاك من اهم ركائز الأمن الغذائي. تحسين سلامة المنتجات الزراعية سوف ينعكس ايجابا على فاتورة الصحة العامة فى المملكة على المدى المتوسط والبعيد.
تحويل القطاع الزراعي فى المملكة الى قطاع تقنيى يعتمد على التكنولوجيا الحديثة والتى ترفع من كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وخاصة المياة وتحسن من جودة وسلامة المنتجات الزراعية هو بلا شك ضمانة لإستدامة القطاع الزراعى. كما ان هذا التوجهه يشكل احد اهم اهداف رؤية المملكة 2030 و مبادرات التحول ولعل من اهمها مبادرة جودة الحياة التى اطلقت اخيرا والتى من المؤكد انها تأخذ فى الإعتبار نوعية وسلامة الغذاء كأحد اهم المعايير لتحسين جودة الحياة Quality Food for Quality Life .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال