الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تملك وزارة الصحة ثالث أكبر ميزانية بين ميزانيات القطاعات الحكومية بواقع 147 مليار ريال ، وكانت ومازالت الوزارة تعاني من هدر مالي ضخم جدا ، فتلك الميزانية لا تظهر بشكل واضح على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين .
والهدر المالي في الصحة له أسباب مختلفة ، يأتي الفساد في مقدمة تلك الأسباب المؤدية للهدر ، ثم يأتي الإهمال وعدم الاهتمام ، وكذلك سوء التخطيط ، والإدارة ، فكل تلك الأسباب وغيرها أدت إلى عدم انعكاس الميزانية الضخمة للصحة على جودة الخدمات الصحية كمّا ونوعا ، والشكوى المستمرة للمواطنين من سوء الخدمات الصحية في كافة مناطق المملكة ، وفي المناطق الطرفية والصغيرة على وجه الخصوص ، دليل واضح على ذلك .
ولأن من الأهداف الرئيسية لرؤية السعودية 2030 رفع جودة النفقات وخفض الهدر المالي ومكافحة الفساد ، فقد اعتمدت وزارة الصحة سياسة تقشفية صارمة ، سعت من خلالها إلى خفض النفقات المالية إلى أدني حد ممكن ، وقد نجحت الوزارة كثيرا في خفض نفقاتها حسب إحصاءاتها الرسمية للعام 2016 ، حيث لم تنفق سوى 94.57٪ من إجمالي ميزانيتها ، أي تم خفض الميزانية بنسبة تقارب 6٪ ، ومن المتوقع أنها في العامين التاليين 2017 ، وهذا العام 2018 ، استطاعت الوزارة خفض النفقات بنسبة أكبر . لكن ما هي السياسة المالية التي اعتمدتها الوزارة لخفض نفقاتها ؟؟؟!!!
الصحة ليست كأي خدمة تقدمها الحكومة ، وما ينفق عليها ليس كأي نفقة ، والترشيد الذي يعتمد في الصحة ليس كأي ترشيد مالي في أي قطاع أخر ، فأي ترشيد يمس الخدمة الصحية المقدمة للمواطن يعد هدرا كبيرا يفوق كل وفر يحققه ذلك الترشيد ، لأنه يمس صحة الإنسان وحياته .
الحقيقة أن واقع الصحة يدل على أن ذلك الترشيد مس جوهر الخدمات الصحية ، لأن التدهور في الخدمات الصحية واضح جدا ويلمسه الجميع ، وفي عدة جوانب .
أولها الكادر الطبي ، فخروج عدد ليس باليسير من الاستشاريين في مختلف التخصصات من وزارة الصحة مؤشر على تلك الضغوط المالية ، ورفض معظم الممارسين الصحيين بمختلف صفاتهم العمل في المناطق الصغيرة ، وعدم القدرة على استقطاب استشاريين من دول متقدمة طبيا ، والاعتماد على أطباء من دول ضعيفة نسبيا ، والنقص الشديد في أعداد الأطباء عموما والاستشاريين خصوصا ، وكذلك تراجع كفاءة الممارسين الطبيين غير الأطباء ، ونقص عددهم .
الجانب الثاني ، مشاكل الأسرّة والمواعيد الطويلة ، حتى للحالات الطبية الحرجة ، وعدم وجود الخدمات الطبية المطلوبة في معظم المناطق باستثناء الرياض ، يظهر ذلك بوضوح في التقرير السنوي الصادر عن وزارة الصحة ، والمشكلة الكبيرة في عدم وجود الأسرّة الكافية ، وطوابير الانتظار لفراغ أسرّة ، يعد المشكلة الأكبر في مستشفيات وزارة الصحة ، خصوصا في المناطق الكبيرة . وبعض المستشفيات الكبيرة التي تم افتتاحها في بعض المدن ، لم يشمل ذلك العيادات الداخلية والتنويم ، وما افتتح سوى العيادات الخارجية ، وبعض الخدمات المساندة فقط ، رغم ضخامة تلك المستشفيات ، والنفقات الكبيرة جدا لتشغيلها بذلك الشكل المعاق .
الجانب الثالث ، يتمثل بالنقص الشديد في الأدوية والأجهزة الطبية المختلفة التي يحتاجها المرضى ، خصوصا أدوية الأمراض المزمنة ، واستمرار نقصها شهر عن شهر . مثلا أدوية الأمراض المزمنة تصرف شهريا لعدم توافرها ، وهذا مرهق جدا للمرضى ، واستنزاف كبير للمؤسسات الطبية ، فأعداد المرضى الذين يراجعون المراكز الطبية من أجل الحصول على الدواء الشهري يمثل نسبة كبيرة من المرضى المراجعين يوميا . بل إن النقص الشديد في الأدوية وصل إلى المضادات الحيوية الضرورية ، والنقص في الأجهزة الطبية يفوق النقص في الأدوية ، فقد توقفت مثلا الوزارة عن صرف بعض الأجهزة الطبية لبعض الأمراض المزمنة .
حِرص المرضى على العلاج في المؤسسات الطبية التي لا تتبع وزارة الصحة ، سواء الحكومية أو الخاصة ، مؤشر قوي جدا على ضعف الخدمات الطبية التي تقدمها وزارة الصحة .
باختصار شديد جدا ، وزارة الصحة نجحت في خفض نفقاتها ، لكن على حساب الخدمات المقدمة للمواطن ، ولم يكن في جانب الهدر المالي المفترض وقفه أو خفضه ، بقي الهدر المالي وانخفضت جودة الخدمات .. أعتقد أن وزارة الصحة بحاجة لخطة إنقاذ خاصة ، قبل أن تتردى إلى ما هو أسوأ .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال