الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ الحرب العالمية الثانية وإنتهاء عصبة الأمم ثم تأسيس الأمم المتحدة؛ تولدّ لدى المجتمع الدولي حرص على إستبدال التنافس على الثروة والأرض والدين بتنافس “سلمي” يشبع رغبة الإنتصار على الأخر سواءً كان الأخر مدينة أو دولة أو حتى قبيلة. نجحت بريطانيا “التي لم تكن تغيب عنها الشمس من إمتداد حدودها” في نشر كرة القدم في أجزاء كبيرة من العالم وعزلت دول مثل الهند وباكستان وبعض دول الكومنولث في لعبة الكريكت؛ التي تتنافس فيها هذه الدول حتى يومنا هذا بمتابعة جماهيرية كثيفة.
كورة القدم تحولت الى صناعة واستثمار وتحقيق عوائد وتسابق وتصارع بين الدول لتنظيم بطولاتها ورعايات من اهم الشركات العالمية وبناء استادات رياضية وبنى تحتية متكاملة.
نعود لتاريخ كورة القدم، حيث وصلت هذه الرياضة لسواحل المملكة بمدينة جدة مبكراً في بدايات القرن العشرين مع الحجاج الأسيويين وكان تأسيس نادي الإتحاد وهو أول نادي سعودي عام 1927م؛ واستمرت اللعبة بجهود فردية حتى ظهر أول من اهتم بكرة القدم وأدرك دورها كقوة ناعمة Soft Power وهو الأمير عبدالله الفيصل الذي كان وزيراً للداخلية “المسؤولة عن الرياضة بالمملكة” في منتصف القرن العشرين.
وتوالت السنون بلا إنجاز خارجي يذكر؛ حتى جاء الأمير فيصل بن فهد ذو الشخصية الكاريزمية والذي تحقق في عهده انجاز منتخب 1994م. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ ماذا فعلت الكرة السعودية خلال +90 عاماً من ظهورها؟. وهل كانت مجدية من حيث مقدرتها على تخطي مرحلة إشباع رغبة المنافسة لدى الشباب نحو تحويلها إلى أداة لإستعراض القوة الناعمة لهذه الأمة الفتية.
الحقيقة أن المنتخب السعودي الأسطورة الذي تكوّن بجهود وخبرات تراكمية عام 1994 م والذي حقق أعظم إنجاز في تاريخ الأمة السعودية “بعد فضية هادي صوعان” بالتأهل للدور الثاني بمونديال أمريكا؛ كان نتيجة لمقدرة اللاعبين على اللعب الجماعي لوجود تواصل إنساني عميق بينهم “قبل الإحتراف الذي شتت الولاء بين النادي والمنتخب؛ وقبل إدمان الإلكترونيات الذي أضحى سبباً في العزلة وضعف التفاهم بين اللاعبين” فلم يكن المال هو الهدف من اللعب سواءً في النادي أو المنتخب وكانت الصداقة والتواصل القوي بين اللاعبين ينعكس على آدائهم داخل الملعب “رغم انهم من أندية متنافسة”. والدليل على صحة ما سبق، أننا في منتخب مونديال روسيا 2018 لم نفتقد المهارة بل إفتقدنا الروح واللعب الجماعي وهذا أمر لا يمكن خلقه حتى وإن دفعنا المليارات.
قرار التبرع الإجباري بنسبة 50% من مداخيل اللاعبين المحترفين لتطوير الرياضة يمثل صفعة قوية و ربما بداية لنهاية الإحتراف بمفهومه الحالي بعد أن أصبحت الدولة تتولى الصرف على القطاع بالكامل إضافة إلى عقود الرعايات والإستثمارات التي تغطي جزء من المصروفات الضخمة على القطاع. ولكن كلنا نعلم أن هذه الصفعة لن تعيد الروح التي ذهبت مع جيل 94؛ لأن ما ينقصنا الأن هو ثقافة العمل الجماعي التي يصعب تعزيزها في جيل مدمن على الإلكترونيات؛ وأمة متجهة بقوة نحو التكنولوجيا والذكاء الصناعي والروبوتات؛ وطبعاً من المستحيل أن نعود للخلف من أجل كرة القدم. الحل يكمن في إلغاء الإحتراف وتقنين الصرف على كرة القدم بالتوازي مع توجيه الصرف والشغف نحو رفع أسهم المملكة في جدول الميداليات في الأولومبياد وذلك بدعم كبير وتحفيز بالمدارس والجامعات لجميع الألعاب الفردية ليكون تقييم الطالب جسمانياً وذهنياً من ناحية مقدرته على لعب إحدى ألعاب القوى أو حتى الألعاب الذهنية كالشطرنج مثلاً.
يجب أن تكون هناك إدارة معرفية سليمة للقطاع الرياضي؛ لنحدد الجدوى ثم ننتقل تدريجياً من صرف المليارات على لعبة لم تحقق لنا الهدف من وجودها كقوة ناعمة سوى مرة واحدة خلال 90 عاماً؛ إلى “سلة” مليئة بالقوى الناعمة الفردية التي ترفع اسم المملكة عالياً في المحافل الدولية. ونثبت للعالم أن الإنسان السعودي قادر على تحقيق المستحيل ومقارعة أبطال العالم؛ وذلك كما أثبت لنا من قبل البطل هادي صوعان في أولومبياد سيدني 2000 بحصوله على أول ميدالية فضية سعودية في التاريخ في سباق 400 م حواجز؛ وهو فعلياً أعظم إنجاز رياضي في تاريخ المملكة؛ وتليه إنجازات أبطال الفروسية. فلنكرر الإنجازات كفرسان و رماة وسباحين و في ألعاب القوى عملاً بوصية عمر بن الخطاب “علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل” ولنترك ورائنا الكرة الجلدية البالية إلى الأبد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال