الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثيراً ما نتغزل بالدول الأوروبية وإنجازاتها الاقتصادية لأننا فقط نرى نصف الكأس الممتلئة عندما نتحدث عنهم! وفي المقابل عندما نتحدث عن واقعنا المحلي فنحن لا نرى إلا نصف الكأس الفارغ؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو كانت أعمالنا ونماذجنا التجارية قائمة في دولة أوروبية او غيرها؟ هل ذلك يعني انها ستكون افضل حالاً؟! الحقيقة وبكل تجرد لن نكون أفضل حالاً بل قد تسوء الأوضاع أكثر!! فلن نستطيع أن نخرج من هذا الجمود اذا لم نطور ثقافتنا المؤسسية ونحد من الممارسات الخاطئة، وأنماط العمل والقوى السلبية لذا لابد على القطاع الخاص من المضي قدماً في شراكته مع الدولة من خلال العمل على مواكبة مرحلة التحول والتفاعل مع الدعم الحكومي الذي يعمل على خلق بيئة اقتصادية تتمتع بالكثير من الإبداع والإبتكار ومحاكاة المستقبل وتغيير استراتيجيات العمل لتواكب صناعة التنمية.
وقد تفرض مرحلة التحول ان يكون القطاع الخاص أكثر حكمة في ترشيد سياساته بما يضمن رفع كفاءته الإنتاجية وتخفيض تكاليفه وبالتالي عليه أن يتخذ استراتيجيات توسعيه بنمط مختلف، وأقصد هنا التوسع في تواجده والوصول إلى العملاء من خلال الإهتمام بالبنية التحتية الرقمية وبناءها للتوسع إلكترونياً من خلال التحول إلى الإقتصاد الإلكتروني، فهناك شركات تراقب المتغيرات التي تحدث، وهناك من يتعجبون مما يحدث، ولكن يظل دائماً هناك من يبتكر ويصنع ما يحدث.
أطلقت المملكة خطتها لتحفيز القطاع الخاص، والذي خُصصت له 200 مليار ريال حتى عام 2030، منها 72 مليار و 120 مليون لدعم القطاع الخاص من خلال 17 مبادرة للمرحلة الأولى بداية من العام 2018 وحتى عام 2020، فالخطة تتعدى كونها خطة لتحفيز القطاع الخاص إلى تحفيز بيئة الأعمال وعواملها جزئياً وكلياً وتعمل على تكامل الأدوار بين الوزارت والهيئات المعنية لتشكل خطة متكاملة ولكن مع الأسف بعض القطاعات تسير عكس الرؤية وبرامجها وتشتق أهدافها منها بشكل غير دقيق وغير مدروس بلا مؤشرات واقعية ولا خطط بديلة ولا فرضيات استراتيجية فلقد تحول التوطين إلى مهمة إلزامية حتى وان أتت على الكفاءة او تحققت بسعودة وهمية فقط لتحقيق النطاق!
لقد وضحت أرقام الهيئة العامة للإحصاء في تقريرها الأخير لسوق العمل عن الربع الأول من 2018 ومعدلات البطالة لدى السعوديين الذي طرح الواقع بكل شفافية تعبر عن حوكمة رؤية المملكة 2030 التي تتبنى الشفافية والرقابة والمحاسبة كمعايير أساسية ولقد كشف التقرير عن عدم تمكن الوزارة من تقليص بطالة السعوديين، التي وصلت إلى 12.9%، وتابعنا كيف تمّ إلقاء اللوم على وزير العمل والتنمية الإجتماعية الجديد وهو الذي تسلمّ مسؤولية هذه الحقيبة الوزارية منذ فترة وجيزة وحقيقة رغم خبراته المتعددة إلا أن وجوده الآن كمسؤول تحتم عليه رؤية الأمور من عدة إتجاهات وقراءة الأمور من زوايا مختلفة وهذا لن يتم في يوم وليلة!
وقد أخرج هذا التقرير وزير العمل والتنمية الاجتماعية الجديد من صمته ليوضح عن وجود حزمة من البرامج التدريبية والتأهيلية والتمويلية وأيضاً عن توظيف أكثر من 60 ألف مواطن ومواطنة كمرحلة أولى للالتحاق بفرص العمل في القطاع الخاص، مع العلم أن مخرجات هذه التقارير ليست مسؤوليته حالياً ولكنها نتائج سابقة لمنظومة العمل ككل، فوزارة العمل ليست وحدها المسؤوله عن هذه النتائج وليست دائماً بسبب ممارسات القطاع الخاص الذي دائماً ما يوجه له أصابع الإتهام!
الحقيقة أن هناك قطاعات أخرى تتحمل مع وزارة العمل هذه النتائج وتشاركها المسؤولية فهي مشكلة استراتيجية تحتاج لنظرة شمولية متكاملة وليست مسؤولية فردية كالتعليم سواء الأساسي أو الجامعات وحتى التعليم الفني والتدريب المهني، وزارة الخدمة المدنية، وغيرها من الجهات التي تخطط وتنفذ البرامج على جميع القطاعات وتقع على عاتقها مسؤوليات محددة.
البطالة التي نعيشها اليوم “بطالة تراكمية” ولكنها تزداد اليوم لانها ترتبط بـ “الهيكلة الاقتصاديّة”، وهي البطالة الإنتقالية التي تنتج عن غربلة القوى السلبية وانتقال مراكز القوة من منتجات معيّنة إلى منتجات أخرى ومن قطاعات لقطاعات أخرى، والتي تنتج أيضاً عن التقدم التكنولوجيّ، أو انتقال الصناعات من منطقة إلى منطقة أخرى تبعاً لظروف معيّنة، بالإضافة إلى البطالة المقنّعة، والتي تعني أنّ شخصاً ما يؤدّي عملاً لا يكفيه ومتطلباته، أو أنّ عدداً من الأشخاص يؤدّون عملاً واحداً، كان بالإمكان أن يؤدّيه شخص واحد فقط، بالإضافة إلى البطالة الوهمية.
التوطين ضرورة ولكن ان نستمر بإلقاء اللوم على عدد الوافدين فهو “حجة من لا حجة له” لأن الاقتصاد الفاعل يعمل على خلق وظائف وقطاعات مبتكرة تساهم في إحلال القوى العاملة وتأهيلها، هناك أكثر من نصف مليون وافد غادروا السعودية خلال العام الماضي، وبهذا تراجع مجمل عدد الوافدين في المملكة من نحو 8.52 مليون شخص عام 2016 إلى حوالي 7.96 مليوناً بحلول عام 2017 حسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية السعودية، ومع قرارات الوزارة 2018 بتوطين 12 نشاطاً تجارياً جديداً، من بينها محلات الأجهزة الكهربائية ومواد البناء، سيغادر المزيد منهم، خصوصاً ان هذه القرارات تشمل أنشطة أخرى كالعمل في قطاعات الاتصال والتأمين والمولات التجارية، بالإضافة إلى رسوم الوافدين التي خفضت من تواجدهم بشكل كبير.
حقيقة كانت هذه الإجراءات والقرارات تهدف إلى تعزيز التوطين في القطاع الخاص، فتوطين سوق العمل أحد أعمدة “رؤية السعودية 2030″، التي ينبغي بموجبها تقليص نسبة البطالة من 12.9 % إلى 7% بحلول عام 2030 ، مع أن نسبة البطالة الفعلية الغير معلنة بسبب صعوبة قياسها أعلى من ذلك بكثير، ذلك يعني ضرورة توفير ما يقارب ربع مليون فرصة عمل سنوياً للعاطلين السعوديين عن العمل. ولابد أن نضع في الحسبان أن القطاع الخاص يعاني من الركود وهذه مرحلة صحية إنتقالية لأنه اعتمدّ لفترة طويلة على اقتصاد رعوي وعلى الإنفاق الحكومي، مما انعكس على عدم قدرة الكثير من الشركات على إيجاد مورد بشري يتناسب مع وتيرة القرارات وسرعتها!
يتركز الوافدين في قطاعات لا تتطلب مهارات عالية أبرزها البناء وتجارة التجزئة وخدمات المنازل والحرف وورش الصيانة والتصليح. وتتراوح نسب الاعتماد على الأجانب بين 40 % وحتى 90 % في مجالات عمل القطاع الخاص. ففي تجارة التجزئة مثلاً لا يشكل السعوديون سوى نسبة 20 % من مجمل العاملين: حوالي 300 ألف عامل من بين 1.5 مليون عامل. كما أن الكثير من المؤسسات الصناعية والخدمية التابعة للدولة تعتمد عليهم بنسبة كبيرة في مجالات تتطلب تأهيلاً عالياً.
ومن هنا فإن الاستغناء عنهم ليس بهذه السهولة فالأعمال التي لا تتطلب التأهيل العالي مع الاسف مازالت من “مهن العيب” التي لا يتقبلها المجتمع إضافة إلى أن أجورها المتدنية، التي تقل عن الحد الأدنى شهرياً، لا توفر لهم مستوى الحياة الذي يقبلون به وتكون مرضية لهم، أما الأعمال التي تتطلب مهارات عالية، فإن إعداد الشباب للقيام بها يتطلب سنوات من الدراسة والتدريب والعمل على سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل من خلال تشجيع التعليم الفني والمهني وإيجاد Ecosystem وبيئة مناسبة تحقق نجاح المسار الأكاديمي والمهني بشكل متوازن.
يتحدث البعض عن رحيل الوافدين وتأثيراتهم السلبية على متطلبات سوق العمل وسير أنشطة قطاعات حيوية عديدة وعلى البيئة الاستثمارية ككل، فالعمالة تنفق القسم الأكبر من دخلها في السوق السعودية بشكل يساهم في انعاش الطلب والاستهلاك والاستثمار فيها بنسبة عالية، كما أن بعضهم يغادرون ليس بسبب تراجع مستوى معيشتهم ، بل بسبب تخوف مسبق من المستقبل فالتغيير دائماً مخيف، مما يتسبب في عودة بعضهم إلى أوطانهم أو توجههم إلى بلدان أخرى تحتاج إلى مهاراتهم من الكفاءات العربية كاللاجئين الذين استقطبتهم دول أوروبية كألمانيا وبلدان أخرى. ومع حاجة بلدان مثل ألمانيا للكفاءات الأجنبية وفئة الشباب كطاقة بشرية إنتاجية، وبالتالي تسربها، والبعض يرى أنها تحت السيطرة.
التوطين ليسٌ مطلباً طارئاً فرضته الأوضاع الاقتصادية، بل يجب النظر إليه باعتباره متطلب طبيعي في إطار خطة وطنية لتنمية واستثمار الموارد البشرية الوطنية تواكب وتتكامل مع الخطط الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، فالتوطين ليسّ مجرد عملية إحلال بل ينبغي أن تكون هي الإمداد المخطط لقطاعات الأعمال في المملكة باحتياجاتها من الأفراد بمستويات الخبرة والمهارة والكفاءة المطلوبة، أي أن التوطين هو استبدال الكفاءات والخبرات الوافدة بكفاءات وخبرات وطنية معادلة.
ولابد أن نضع نصب أعيننا أن التوطين ليسّ مجرد تسكين سلبي للشباب السعودي الباحث عن عمل في وظائف وأعمال غير مطلوبة أو غير منتجة، بل أنها تقتضي عملاً هائلاً في مجال تخطيط الاحتياجات من الموارد البشرية بحسب أوضاع الأعمال المختلفة وتطوراتها المستقبلية المتوقعة. ثم إعداد وتأهيل وتدريب وتنمية الأفراد من المواطنين الذين تتوفر فيهم المواصفات المناسبة، وتوظيفهم في الأعمال المناسبة، مع النظر إلى عميلة استقدام العمالة كوسيلة لسد العجز في الكفاءات من المواطنين ومعالجة الاختلال الهيكلي في سوق العمل المحلي، إلى حين تتهيأ القدرات الوطنية لملأ الفراغ والحلول محل العمالة الوافدة تدريجياً وفق خطة واضحة المعالم بأبعادها الزمنية قصيرة، ومتوسطة، وطويلة المدى.
لا تنتهي عملية التوطين بمجرد تعيين فرد سعودي مكان شخص وافد، بل يجب النظر إلى التوطين باعتبارها قضية فرعية في إطار قضية أكبر وهي تكوين وتنمية الموارد البشرية السعودية حسب متطلبات قطاعات الأعمال، والسعي لتوفير الظروف لاستثمار قوة العمل الوطنية بأقصى كفاءة ممكنة، إن التوطين ليسّ هدفاً في ذاته، ولكن يجب النظر إليها على أنها وسيلة إلى هدف أكبر وهو تهيئة الموارد البشرية الوطنية في خدمة أهداف التنمية الشاملة. كما أن التوطين ليس عملية منفردة منعزلة، بل هي في الحقيقة جزء من عملية أكبر تستهدف إعادة هيكلة المنظمات، وتطوير نظم العمل وأساليبه، وأسس توزيع السلطات والمسئوليات، ومعايير تخطيط وتقييم الأداء، ومجمل عناصر المنظمة الإدارية وفعاليتها الإنتاجية والخدمية؛ لتتوافق جميعا مع النمط الجديد لتكوين الموارد البشرية بإحلال السعوديين محل غيرهم من الوافدين. وهذا المنطق يتفق مع النظرة إلى إدارة الموارد البشرية باعتبارها نظام متكامل تتأثر عناصره بأي تغيير يصيب أحدها.
ولا يجب النظر إلى التوطين على أنه مجرد عملية تسكين مؤقتة، لمشكلة تزايد أعداد الخريجين الباحثين عن العمل، فالسعوده لا يجب أن تقتصر على تشغيل هؤلاء الشباب، بل أن معناها الصحيح يشمل إتاحة الفرص للسعوديين جميعا ومن كل الأعمار؛ لشغل الوظائف التي تتوفر فيهم مواصفات شغلها ومستويات الكفاءة المطلوبة لها وعلى كل المستويات التنظيمية. كما لا يجب النظر إلى التوطين بمعيار العاطفة الوطنية، بل يجب دراسته من منطلق الأرقام والحقائق التي تشير بوضوح إلى تزايد أعداد الداخلين إلى سوق العمل، في نفس الوقت الذي تتقلص فيه فرص العمل. ومن ثم فمشكلة التوطين ذات شقين، الأول خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب الداخلين في سوق العمل، والثاني البحث عن موارد بشرية مؤهلة وذات خبرة لشغل الوظائف التي تخلوا من شاغليها سواء من المواطنين أو من غيرهم.
الكثير من الدراسات السابقة لسوق العمل أثبتت أن هناك تركيز على الجوانب الكمية في مجال فرص العمل (نسب توطين- مهن محددة- قطاعات اقتصادية) بدون أن يترافق ذلك مع اعتماد مؤشرات نوعية للوظائف مثل نوعية الأجور، ظروف وشروط العمل، التدريب.. الخ، النتيجة هي تراكم وظائف شاغرة لدى اغلب مكاتب تشغيل العمالة بدون تقبل العاطلين لها بسبب مستويات الأجور السائدة وطبيعة العمل في هذه الوظائف.
كما أن أغلب مشاريع توطين الوظائف كانت بمبادرة وقرار من جهة واحدة، أي بدون حوار واتفاق بين أطراف العملية الإنتاجية والنتيجة هي تذمر كلا من طرفي علاقة العمل وازدياد لجوء بعض أصحاب الأعمال إلى التحايل على قرارات التوطين، أيضاً ضعف وعدم دقة بيانات سوق العمل جعل من تقييم مستوى الإنجازات لمشاريع التوطين مدار جدل مستمر في أوساط الرأي العام المحلي، خاصة في ظل عدم اعتماد واستخدام معيار واضح ومتفق عليه.
لاستخلاص هذه المعلومات والتي يجب أن ترتكز على المسح الإحصائي بالعينة للقوى العاملة: الاعتماد على معايير الربحية التجارية البحتة في المفاضلة بين العنصرين الوطني والوافد، دون الأخذ في الاعتبار لعناصر التكاليف غير المباشرة الأخرى للعمالة الوافدة وموازنتها مع إنتاجيتها الحدية، مقدرة العمالة غير السعودية على التكيف مع متطلبات القطاع من حيث الأجر والتأهيل والتدريب وظروف العمل الأخرى، عزوف بعض أصحاب العمل عن توظيف العمال السعوديين بدعوى أنهم أقل إنتاجية من العمال الأجانب وأعلى تكلفة في التدريب، تهرب بعض أصحاب الأعمال من الالتزامات الخاصة بخطط توطين الوظائف؛ وذلك بتحديد أجور منخفضة ومتدنية لمن يتم توظيفهم من المواطنين؛ وهو ما يدفعهم إلى الاستقالة لعدم كفاية الأجر لمتطلبات المعيشة.
أيضاً اتسام بعض الوظائف لا سيما الفنية بعدم المرونة وعدم توافر البديل السعودي الكفء القادر على القيام بهذه الوظيفة؛ الأمر الذي قد يدفع الجهة المختصة إلى الاستعانة مرة أخرى بموظف وافد، كما أن التباين المتمايز بين المنهج التعليمي في المؤسسات التعليمية ذات الصبغة الفنية والتخصصية وحاجة سوق العمل؛ وهو ما أدى إلى نشوء نوع من الفصام المهني واستحقاقات السوق التي لا تجد في مخرجات هذه المؤسسات ما يسد حاجتها بالكفاءة نفسها التي يوفرها الاستقدام، والتي تتأسس على جانبي التخصص والخبرات، ولا ننسى عدم قيام القطاع الخاص بدوره في جذب الكفاءات الوطنية وتفضيله للعمالة الأجنبية الأقل أجراً، والتي يمكن أن يتخلص منها عندما يرغب في ذلك، ايضاً عدم استمرارية المواطنين في بعض الأعمال، الناتجة أصلا من عدم الرضاء والقبول منذ البداية لبعض المهن، والتي لا يزال ينفر منها بعض الشباب وتجد طالب الوظيفة يأخذ الموضوع على أنه تمضية وقت وهذا أيضاً فيه خسائر على أصحاب العمل.
حقيقة الموضوع أكبر من قضية البطالة فنحن نتحدث عن بيئة اعمال متكاملة تستطيع محاكاة رؤية المملكة الطموحة وتطلعاتها، لذلك يجب ان ننظر للمشكلة من منظور متكامل، فإصلاح منظومة التعليم وجسر الفجوة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل أمر في غاية الأهمية، من خلال التخطيط للأجيال القادمة وقراءة قدرات الجيل الجديد ومتابعتها واختبار ميولهم وتحديد مساراتهم وتشجيعهم على اكتشاف نقاط القوة والضعف والعمل عليها مبكراً، أيضاً تشجيع التعليم المهني والفني بجانب التعليم الأكاديمي وأول هذه الخطوات “استئصال” ثقافة “العيب” والتوعية بأهمية المهن.
وهنا اطالب بإنشاء “جامعات تعلم المهن بدرجات علمية” ووضع مسميات جديدة تزيد من جاذبيتها على سبيل المثال: ( بكالوريوس الأعمال الصحية- أي السباك حالياً ) فبعض الطلاب يتمنى مقعداً في الجامعة أياً كان التخصص، وما يهمه فقط أن يكون خريجاً جامعياً حتى لو أصبح عاطلاً، بسبب عقدة رسخناها نحن بأنفسنا في عقول أبنائنا بأن المكانة الاجتماعية مرتبطة بالشهادة الجامعية! مقبلون على مرحلة مختلفة كلياً عن السابقة؛ فالنظرة حالياً لم تعد مظاهر فقط، بل أصبحت نظرة اقتصادية، ولكن لو أردنا المنافسة في هذا القطاع يجب تهيئة أبنائنا في تخصصات يحتاج إليها البلد، وهذا ما نفتقده حالياً في تخصصاتنا الجامعية التي تركز على العلمي والنظري، وتهمل المهني الذي نحتاج إليه جميعاً، ويؤهل أبناءنا مستقبلاً للسيطرة على هذا القطاع، وإزاحة الأجانب.
كما أن التهيئة لا تتم من المرحلة الجامعية فقط، بل يسبق ذلك المرحلة الثانوية بإضافة تخصص مهني لمن يريد العمل في هذا المجال، ولا يرغب في إكمال المرحلة الجامعية؛ فيتخرج من الثانوية ولديه تخصص ومهنة يستفيد منهما بدلاً من أن يكون عاطلاً، مثل الكهرباء والنجارة والسباكة، وغيرها من المهن التي تُدرُّ ذهباً ونحن غافلون عنها، هذا القطاع المهني مكاسبه مضمونة وعالية؛ لأن الجميع يحتاج إليه، ويستطيع الشاب إنشاء أعماله ومؤسسته الخاصة مع الوقت والخبرة.
لقد عملت الدولة على تحسين بيئة الإستثمار من خلال الإتفاقيات الدولية في عدد من القطاعات المهمة والتي بالتالي ستنعكس إيجابياً على تعظيم المحتوى المحلي مما يعني توطين الصناعات والأهم توطين المعرفه، أيضاً القضاء على التستر واقتصاديات الظل ملف مهم بجانب تحسين الإجراءات كنطاقات والفاتورة المجمعه وغيرها، كما ان توجه الدوله في دعم برامج الخصخصه سيفتح الكثير من الفرص الوظيفية.
لذا يلزم هنا تهيئة لثقافة القطاع العام والخاص فالخصخصة تعني ان تمتلك المنشآت التي كانت تدار بفكر الادارة التقليدية القدرة على مواكبة التغيير لتتحول الى مؤسسات إبداعية وهذا ما دعمته توجهات الدولة من توظيف فكر القطاع الخاص والكفاءات بداية من رأس المنظومة وقمة هرم الوزارات كوزراء ووكلاء وزارة ومستشارين للإستفادة من تجاربهم فنحن لا نريد وزارات بلا ابداع! كما ان وزارة الخدمة المدنية لابد أن تعمل بجد على تفعيل مركز استثمار رأس المال البشري وخلق فرص مهمة في جميع القطاعات، ولا ننسى برامج صندوق الاستثمارات العامة الذي له دور رئيسي في الاستثمارات التي تزيد من تنافسية القطاع الخاص والذي يستهدف التكامل مع القطاع الخاص وتنميته لا منافسته.
صندوق الاستثمارات العامة يعمل على الدخول في شراكات مع القطاع الخاص كونه مؤثراً في صناعة الاقتصاد المحلي وجزءاً رئيساً في تنميته، كما ان الاستثمارات تعتمد على محفظتين للاستثمارات العالمية يقابلهما أربع محافظ استثمارية محلية وبالتالي فرص نوعية كبيرة، أيضاً تشجيع القطاع الثالث سيفتح أفاق وفرص كبيرة تنعكس إيجابياً على سوق العمل وايضاً دعم الاوقاف النوعية سيساهم في التوطين.
ايضاً مع استمرار نمو الأنشطة والقطاعات الإقتصادية الأخرى كالخدمات الحكومية والخدمات المالية في ظل وصول نمو الخدمات الحكومية إلى 3.4 % خلال الربع الأول من 2018 ، ووصول النمو في الخدمات المالية إلى 2.1 % خلال نفس الفترة مقارنة 0.8 في الربع الأول من العام 2017، ويتوقع أن يكون النمو ملموساً بشكل كبير لقطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة مما يخلق فرص عمل ابتكارية بعد إدارج سوق الأسهم السعودي بمؤشرات مورجان ستانلي للأسواق الناشئة وبدء ظهور نجاح مبادرات برنامج تطوير القطاع المالي، ايضاً لابد من التعاون مع القطاعات الجديدة كالترفيه ووزارة الثقافة لخلق فرص عمل جديدة.
أخيراً، لابد من مراجعة الخطط والإستراتيجيات ووضع مؤشرات لإنجاز الخطط والسياسات، ويظل القطاع الخاص شريك ولاعب أساسي في تحقيق رؤية المملكة وبرامجها وداعم للحد من البطالة في طل استراتيجيات تنويع مصادر الدخل والدخول في قطاعات ابتكارية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال