الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يَتساءَلُ البعضُ عن سرِّ امتلاكِ أرامكو السعودية لطاقة انتاجٍ فائضة “Spare Capacity ” تبلغُ مليوني برميلٍ يومياً، استناداً للتَّصريحاتِ الرسميَّة وتقديراتِ معاهدِ الأبحاثِ ودراسات الطاقة في حين أن معظم الشركات النفطيةِ الوطنيةِ والدوليةِ لا تحتفظُ بفائضٍ، بلْ تنتجُ كلَّ ما لديها. منهم من يرى عدم جدوى الاحتفاظ بطاقة انتاجٍ فائضةٍ، في حين أنه يمكن استغلالها والاستفادة من عائداتها، وآخرون يشكِّكُونَ بمقدرةِ المملكة على ضخ جُلِّ طاقتها الفائضة في الأسواق العالميةِ وأنَّ التقديراتِ أقلُ مِن ذلك بكثيرٍ. آخرون يعتقدون أن الطاقة الفائضة وليدة اللحظة وأنها نشأت في العقد السابق نتيجة لزيادة انتاج النفط الصخري.
قبل أنْ أتَطَرَّقَ إلى الإجابةِ عن هذه التساؤلات، أودُ أولًا أَنْ أوضِّح مَاهِيَّة َالطاقة الفائضة التي أَشْكَلَ فَهْمُهَا على كَثِيرين والتي عادةً ما يتم الخلطُبينها وبين المخزون النفطي الاستراتيجي “Strategic Petroleum Reserve” الذي تمتلكه العديد من الدول الصناعية. بعدها سأجيب على هذه التساؤلات وسَأُفَنِّدُ الإِدِّعاءاتِ التي تَتَناولها بعض التقارير الإعلاميةالغَرْبيَّةِ.
تُعَرَّفُ الطاقة الفائضة استناداً لِوكالةِ معلوماتِ الطاقة الأمريكية بِكمية البترول الإضافية التي تملكها الدول المنتجة للنفط خصوصاً المُنْضَوِيَّة مِنها تحت راية منظمة أوبك، والتي بالإِمْكان انتاجها في غضون 30 يوماً والحفاظ على معدلات انتاجها لمدة 90 يوماً وبيعها في الأسواق النفطية. بينما المخزونالاستراتيجي هو كمية النفط التي تكفي الدولة المستهلكة للنفط لفترات تتراوح بين الـ 30 إلى 90 يوماً في حال انقطاع امدادات النفط عنها لظروف قَسريةٍكالأعاصيرِ أو الحروب أو المقاطعة الاقتصادية من الدول المصدرة للنفط وتُصَنَّفُ كجزءٍ من أمنها القومي.
على عَكس المخزون الاستراتيجي والذي عادة ما يتم الاحتفاظ به في خزاناتٍعملاقةٍ، يتم الاحتفاظ بالطاقة الفائضة لمعظم دول أوبك والمملكة على وجه الخصوص في باطن الأرض كجزء من المكامن النفطية ويعزى السبب إلى أن الآبار النفطية لا يتم استغلالها بطاقتها القصوى لأسباب سأتطرق إليها لاحقاً.
ما مِقدار ما تملكه المملكة من طاقةٍ فائضةٍ؟ هل تَكَوَّنَتْ بفعل زيادة انتاج أمريكا من النفط الصخري؟
في تقرير لِرُويْتَرْزْ خلال فعاليات مؤتمر دَافوس الاقتصادي في يناير 2017، تحدث رئيس أرامكو السعودية المهندس أمين الناصر عن قدرة الشركة على رفع انتاجها إلى 12 مليون برميل كحد أقصىً مُستدامٍ” Maximum Sustained Capacity” وأنَّ المملكة باستطاعتها رفع انتاجها الإجمالي إلى 12.5 مليون برميلٍ يومياً، في إشارةٍ ضِمنيةٍ إلى حقول المنطقة المشتركة بين الكويت والسعودية المغلقة حالياً.
تمتلك المملكةُ مليونيْ برميلٍ يومياً كطاقة فائضة، وبإمكانها ضخها في غضون 30 يوماً والحفاظ عليها لـ 3 أشهرٍ متواصلةٍ. أما حقول المنطقة المشتركة التي تطرق إليها بعض المحللين في النشرات الإخبارية لا تدخل ضمن تعريف الطاقة الفائضة، حيث أن إنتاجها مشروطُ باستكمال تطوير الحقول البحريةالمشتركة، إضافةً إلى الاتفاق بين البلدين ومن تَمَّ عودةُ الإنتاج التدريجي قبل الوصول لمعدلات ما قبل الانتاج وهو أمر مُستبعدٌ في الوقت الراهن.
إنَّ ما يُتَدَاول حول أَن الطاقة الفائضة نَشَأَت كنتيجةٍ للزِّيادةِ المُضطردةِ في انتاج النفط الصخري هو أمر غيرُ صحيحٍ، إذْ سَبَقَ للمملكة أن امتلكت طاقةً فائضةً زادت عن 3 ملايينَ برميلٍ يوميًا واسْتَخدمَتْها سنة 1985، وذلكَ بسبب عدمِ التزام بعضِ دول أوبك كإيران بالسَقْفِ الأعلى لإنتاجها وأيضاً بسبب الزيادة المضطردة في انتاج الحقول النفطية في بحر الشمال والاتحاد السوفييتي وأمريكا الذين استغلوا التزام المملكة بخفض انتاجها في الفترة ما بين 1980 و1985 إلى نطاق الـ 5 مليون برميل بعد أن لامَس انتاجها سقف الـ 10 مليون برميل في أواخر السبعينات.
كما اسْتَخْدمتِ المملكةُ فائضها عدة مراتٍ لتعويضِ نقص الامدادات النفطية خلال الغَزوِ العراقي للكويت وبعد تطبيق العقوبات الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي وأيضًا خلال اضطرابات ليبيا إِبَّانَ الربيع العربي من جهة، وللحفاظ على حصتها السُّوقيةِ بعد انهيار أسعار النفط سنة2014 من جهةٍ أخرى. حيث بَلغت صادرات المملكة من النفط حاجز الـ 8.26 مليون برميل في نوفمبر 2016 وهو أعلى معدل صادراتٍ في تاريخ المملكة.
لا شكَّ أَن الزيادةَ المَهُولةَ في الطلبِ العالميِّ على مادة النفط تُشَكِّل ضغطاً على المملكة في سَعيها للحفاظِ على طاقةِ انتاجها الفائضةِ. إلا أن المملكة نجحت في الرِّهان، واستطاعت التوفيق بين الإثنين رغم تكاليف تخزين الإنتاج الفائض الباهضة. لكن يبقى السؤال مطروحاً: ما الدافع وراء تخزين الانتاج الفائض ولماذا بهذه الضخامة؟ في الجزء الثاني من هذا المقال، سأجيب عن هذه التساؤلات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال