الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أشرت في مقال سابق إلى القيمة النوعية التي يمكن أن تصنعها المنشآت الكبرى وأنه بالرغم من ذلك لا يحسن الانكفاء عليها في كل الأحوال، إذ يمكن أن تفرز المنشآت الكبيرة على المدى البعيد تأثيرات سلبية تتطلب تركيز الدعم بالدرجة الأولى للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لخلق التوازن المحفز على المنافسة في الأسواق ضمن إطار من العدالة والشفافية.
وأبرز ما يمكن أن يتولد عن المنشآت الكبيرة سلباً على السوق هو الاحتكار وتحجيم المشاركة المؤسسية والفردية في تقديم السلع والخدمات، كما أن الجودة التراكمية التي تحققها المنشآت الكبيرة يمكن أن تتراجع بفعل تراجع خيارات المستهلكين والعملاء وبالتالي انعدام الحافز لتقديم الجودة الأعلى بالسعر الأمثل.
لذا فإن أهم ما يمكن أن تخلقه المنشآت الصغيرة والمتوسطة في واقع السوق على المدى القريب والبعيد هو فرض حالة إيجابية من المنافسة المشروعة والحرية السعرية والإنتاجية لملاحقة العميل وتوفير البدائل والخيارات الأقل سعراً والأفضل تعاملاً، بل وتجزئة الخيارات السلعية والخدمية التي باتت اليوم ضرورة سلوكية بعد عقود من الترف الاستهلاكي.
وأوضحت في غير ما موضع بأن من أهم عوائد المنشآت الصغيرة والمتوسطة على الاقتصاد هو (تعزيز المنافسة وتوفير الخيارات والبدائل المتعددة) هذا أولاً.
وثانياً: (جرأة المنشآت الصغيرة على المخاطرة بأفكار جديدة سعياً لحجز مقعد لأسماءها وعلاماتها التجارية في الذهنية العامة وفي الأسواق)؛ لانخفاض نسبة مخاطرها وتكاليفها والتزاماتها المالية والتعاقدية، ولحاجتها إلى الأفكار الإبداعية -وربما المجنونة- لمنافسة عمالقة السوق، وهذا هو فرس الرهان الذي يعزز ريادة الأعمال ويتيح لشباب وسيدات الأعمال المساحة المرنة للتفكير الحر والخروج عن النسق الصندوقي في التجارة والتسويق.
ورغم كل ذلك الشغف الخلاق لدى شباب الأعمال الذي يدفعهم كتيار هوائي سريع إلى ابتكار أفكار غير مألوفة خصوصاً في مجالي التسويق والتطبيقات الالكترونية؛ إلا أن مدخلات الابتكار –من أبحاث ومعامل واستقطاب تجارب وخبرات وتكاليف ذلك – ما تزال حاجزاً صلباً أمام رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة –والمتوسطة أيضاً-، الأمر الذي يجعل الابتكار قيمة محتكرة لدى المنشآت الكبيرة ما لم تجد قنوات دعم المبتكرين طريقها للوصول إلى شباب الأعمال
بنظري أن أهم تحد أمام الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة هو (تمكين الابتكار)، لسبب معقد وهو أن الابتكار بحد ذاته لا يمنحه من يملكه لمن لا يمكله كالتمويل، وإنما (يُمكَّن من لا يمكله لكي يملكه) تماماً كالتعليم، فليس من اليسير أبداً لهيئة المنشآت أن تخلق حالة عامة في الأسواق الناشئة تحفز على الابتكار وتحتضن المبادرات وتدعم نموها حتى تشق عباب الأسواق المحلية فالعالمية في محيط مليء بالأسماك الكبيرة والمفترسة.
هي مهمةٌ تاريخية نبيلة وحلمٌ عظيم أن ندعم المبتكرين ونحتضن الابتكارات في أطوار تشكلها الأولى حتى تنضج ثم ترسخ كعلامات تجارية ناجحة ثم قادرة على المنافسة المحلية فالإقليمية ثم العالمية لتضيف قيمة عالية إلى إجمالي الناتج المحلي.
ولإيماننا بذلك كاقتصاد وكخطط تنمية فإن عنصر الابتكار كقيمة اقتصادية وتنموية أصبح لاعباً أساسياً في تحقيق مستهدفات برنامج التحول الوطني ورؤية 2030، يأتي على رأسها دور الابتكار في الوصول إلى اقتصاد مزدهر من خلال هدف (تنمية وتنويع الاقتصاد) الذي يتحقق هو الآخر عبر عدة مستهدفات على مستويات متعددة يتصل معظمها بالابتكار بشكل مباشر أو غير مباشر؛ كتنمية مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد وتسهيل ممارسة الأعمال، ورفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز، وتطوير الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز، وإطلاق قدرات القطاعات غير النفطية الواعدة، وتنمية الاقتصاد الرقمي، وتوطين الصناعات الواعدة، وتطوير قطاعي التجزئة والسياحة، ورفع نسبة المحتوى المحلي في القطاعات غير النفطية أيضاً، وتوطين التقنيات والمعرفة.
ومن أهم المستهدفات التي يسهم تمكين الابتكار في تحقيقها (تطوير الشركات المحلية الواعدة إلى شركات رائدة إقليمياً وعالمياً).
لقد لفت انتباهي وأسعدني كثيراً ما رود في تنظيم الهيئة السعودية للملكية الفكرية والتي تعد بالمناسبة واحدة من المؤسسات الحديثة المهمة لحماية الابتكار؛ إذ تضمن البند (ثانياً/ فقرة 9) بأن من المهمات والاختصاصات التي تتولاها الهيئة:
(9- تعزيز الاستفادة من الملكية الفكرية لبناء اقتصاد متقدم قائم على المعرفة).
وفي الصفحة الرئيسية لموقع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تجد أمامك أيقونات جميلة تحفزك على الابتكار: (أبحث عن فكرة – لدي فكرة – أطلقت مشروعي –أواجه تحديات – في طور النمو)
https://monshaat.gov.sa/ar#page3
أخيراً: أشدد على أهمية أن تمضي هيئة المنشآت قُدماً في طريق دعم المبتكرين واحتضان الأفكار الريادية وتمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتحقيق قيمة مضافة في إجمالي الناتج المحلي ودفعها وتحفزيها لمنافسة المنشآت العمالقة، حتى يتم تطويع الظروف والتحديات وتذليل العقبات أمام رواد الأعمال من أجل (إحلال الابتكار محل الاحتكار).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال