الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
م.ع. هو مهندس سعودي في مقتبل الأربعينات، قضى عمره بين مصانع الكيماويات و مستودعات البوليمرات في شركة سعودية قيادية، دعونا نرمز له في باقي المقال بـ: أبو حسن
ج.ج. هو شاب سعودي، من أصول بدوية عريقة، دعونا نرمز له في باقي المقال بـ:ـ محارب.
“لا تضيع وقتك في توظيف سكرتير سعودي، لن تجد و إذا وجدت لن يظل”
عملت سابقاً كمدير توظيف، وكانت هذه أولى النصائح التي تلقيتها من مدير التوظيف الذي قبلي، كان الأمر يشبه عهد الفرسان السري، والتزمت انا بذلك العهد. حتى جاء اليوم الذي ابتسم فيه أبو حسن بجانب فمه كما يفعل دائما عندما يقترب انتصاره في النقاش، وقال لي اجلس لأحكي لك عن تجربتي أنا مع هذه القناعة، وبدأ أبو حسن يحكي قصته:
“كان يوماً أغبراً، ووصلني ايميل إدارة الموارد البشرية باسم المرشح ليكون بديلاً لسكرتيري تشارلي خلال إجازة تشارلي السنوية. الاسم الذي قرأته كان يحمل رنين أسماء محاربي العرب القدامى . ظننت أن في الأمر مزحه، ورفعت سماعة الهاتف معاتباً موظف الموارد البشرية و الذي حاول اقناعي عبثا بأن الأمر ليس مزحة و”اعطه فرصه قبل أن تحكم” كان آخر ما قاله موظف الموارد البشرية قبل أن أغلق الخط رافضاً، تشارلي المغترب المتفرغ كان بالكاد يستطيع الصبر على ضغط العمل و ضغطي، قطعاً لن يستطيع شاب سعودي الصمود أكثر من يوم. لم تمض نصف ساعة حتى دخل مكتبي أحد أصدقائي مدراء الأقسام الأخرى وقال لي “وصلتني أخبار رفضك لمحارب، أنا أعرف الشاب، اعطه الوظيفة وإن لم يعجبك فسأكون انا سكرتيرك “، ابتسمت و قلت لنفسي انها فرصة يجب أن لاتهدر. في أول يوم عمل لمحارب فوجئت بشاب ديكي الشعر طائح البنطال يجلس مكان تشارلي، نهض و قدم نفسه بكل أدب: انا محارب سكرتيرك الجديد، و أجبته: وأنا لا أحب هذا المنظر. توقعت أن ينتفض محارب و يثأر لنفسه، لكن ماحدث هو أن محارب اعتذر بكل لباقة واتجه الى دورة المياه و غسل شعره. في الأيام التي تلت كان محارب مثالا للأداء المميز، يأتي الى المكتب قبلي ولا يغادر حتى أغادر، يبادر بخدمتي حتى قبل أن أطلب.
زادت دهشتي عندما علمت لاحقا أن محارب خريج كلية ممتازة في تخصص تقني معقد، لكن الوظيفة الوحيدة التي كانت متوفرة هي سكرتير، مجال مختلف تماما عن دراسته بمرتب أقل بكثير عن أقرانه، لكن محارب أجاب لجنة التوظيف بأن كل مايرجوه منهم هو إلحاقه بالشركة، و الباقي عليه. قبل نهاية الشهر، طلبت من محارب أن يجمع أغراضه و يتجه الى إدارة الموارد البشرية، واتجهت انا الى مدير الموارد البشرية عاقداً العزم على أن لا أخرج إلا بقرار تعيين محارب في وظيفة أفضل مناسبة لتخصصه، وهذا ماحدث، محارب الآن يكمل طريق نجاحه المهني بنجاح، و أنا عرفت كم كانت قناعتي وهماً.”
لم يكد أبو حسن ينهي قصته حتى أدركت كم من التهور يوجد في الإيمان بقناعات خلقها الوهم ورباها الخوف، وكم من الخطر أن تتحول هذه القناعات الى أنظمة و إجراءات رسمية ضد أفراد أو فئات بعينهم مشوهة بذلك جمال وطن بأكمله و مهدرة حماس جيل لا يعوض.
أنهيت حديثي مع أبي حسن و غادرت لأصطحب ضيفي الخواجة الى العشاء. اتى هذا الخواجة لمتابعة سير بعض مشاريعه، و تقييم بيئة الاستثمار في مجالات الأسواق و المطاعم ، مجالات واعدة في هذا الوطن الشاب على حد قوله.
“نحن نحترم قيم الأسرة و نحب أن نعطي العائلات خصوصيتها، لذلك نحرص على أن يجلسوا باستقلالية عن الرجال الذكور “
كان هذا هو العذر الذي استطعت أن أقدمه لصديقي الخواجة بعد أن رفض مطعمين استقبالنا بحجة أننا عزاب !! ، حاول الخواجة أن يجد عذرا هو الآخر و يرد بأقصى قدر من اللباقة و الحذر:
“لا بأس لا بأس، كلنا كنا شباباً في يوما ما و فعلنا أشياء غبية، لابد أن رجالكم “حماسيون” بعض الشيء”
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال