الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تَتَميز الحقول النفطية التي أَنْعمَ اللهُ بِهَا علينَا والتي يَزيد عَدَدُها عن الـ 14 بغزارةٍ في الإنتاج بسبب كمية النفط المتواجدة في المَكامن النفطية والخَصَائِصِ الجيولوجيةِ والهندسيةِ التي سَهَّلت عَمليةَ الاستخراجِ مقارنةً معَ َمكَامِنَ نفطيةٍ مماثلةٍ في المنطقة وحول العالم.
قَابَلَ هذِهِ الغزارةَ الانتاجيةَ كَفاءةٌ في تطويرِ الحقولِ النفطيةوالمحافظة على الموارد النفطية، وهو سِر تَمَيُّزِ المملكة في ميدانالصناعة النفطية. فمنذ تَأْمِيمِ أَرامْكو السعودية في الثمانينات، قامت الشركة بتطبيق أعلى المعايير الهندسية والجيولوجية، واستخدامِ التقنياتِ المتقدمةِلإدارة الحقول النفطية القائمة، ورفعِ كفاءة الإنتاج فيها وتطويرِ حقول جديدة كالشيبة ومنيفة وغيرها.
بالنسبةِ للحقول المستغلة حالياً، على عكس ما تقومُ به معظمُ الشركاتِ النفطيةِ من دفع انتاجِ الآبارِ إلى أقصى طَاقتها، حافظت أرامكو السعودية على معدلات ِانتاجٍ متوازنةٍ “دُون القُصوى” في جميع حقولها النفطيةِ بما فيها حقل الغوار بهدفِ إطالةِ عمرِ الآبارِ والحفاظ على ضغط المكامن على المدى البعيد بالإضافة إلى الحد من إنتاج الماء المصاحب للنفط الذي إن زاد عن المعدلات الطبيعية سَيُعَجِّلُ من نُضُوب البئر.
أمَا فيما يَخُص التقنياتِ، اعتمدتْ أرامكو السعودية الحفرَ الأفقيَّ على نطاق ٍواسعٍ في عملياتها منذ أوائل التسعينات، حيث قامت بتحويل العديد من الآبار ِالعموديةِ إلى أفقيةٍ، مما ساهم في رفع إنتاجية الآبار بما يزيد عن الضعف في جميع حقولها، بل وصل معدل الإنتاج نحو 12 ضعفا في أحد الآبارِ في حقلِالشيبة بفعل استخدام الحفر الأفقي المتعدد البعيد المدى “’’ Maximum Reservoir Contact.
أما الحقول حديثةُ الاستغلال، فَمُنذ 2008، قامت أرامكو السعودية بتطوير ِالعديدِ من الحقول النفطية كحقول المنيفة وخريص من جهة، و زيادةِ الطاقةِالإنتاجيةِ لأُخرى كحقل الشيبة من جهة ثانية، وذلك باستخدام أفضل المعايير الهندسية والتقنيات المتطورة والتي ساهمت في الحفاظ على الطاقة الفائضة.
ساهمت جميع هذه العوامل في الإبقاء والحفاظ على طاقة انتاجٍ فائضةٍ والتي كما أشرت ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على إطالة العمر الافتراضي للآبار على المدى البعيد. لكن يظل السؤال الأهم مطروحاً، لماذا تحتفظ المملكةبطاقة فائضة بهذه الضخامة؟
إنَّ النفط سلعةٌ ليسَ كغيرهِ من السلعِ، فهو مَوْردٌ نَاضِبٌ، ليسَ فقط كونهُمصدراً للطاقة، بل مادةً خامًا تُصنعُ منها الكثير من المنتجات التي لا غنىعنها. ولأنه ناضب لا يُستغنى عنه، لم تحظى سلعةٌ قطُ،عبرالتاريخ بتجاذباتٍسياسيةٍ واقتصاديةٍ واستراتيجيةٍ كما هو الحال مع النفطِ.
أنعم اللهُ على هذهِ البلادِ بمواردَ نفطيةٍ ضخمةٍ تزيد عن 266 مليار ِبرميلٍ، ومع ضخامة هذه الإمكانيات تتحمل المملكة على عاتقها مسؤولية عظيمة في الحفاظ على هذه الموارد والتحكم في إمدادات النفط العالمية والتأثير على الأسعار. إن الإبقاءَ على طاقة فائضةٍّ هي سياسةٌ اتخذتها المملكة منذ انضمامها لمنظمة ِأوبك كونها صمام الأمان لإمدادات الطاقة العالمية. فالمملكة هي المنتج المرجح Swing Producer للنفط الذي يتدخل عند الحاجة للحد من تقلبات أسعار النفط أو تعويض نقص الامدادات.
قد يتساءلُ البعضُ عن حاجةِ المملكةِ لطاقةٍ فائضةٍ بهذه الضخامةِ. بحسب الدراسات التي قام بها مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوثالبترولية والتي تَطَرَّقَ إليها آدم سيمنسكي Adam Sieminski في مقاله ِالذي نُشرَ في جَريدةِ عرب نيوز بتاريخ 16 يوليو 2018، فإنه للحدِ من التذبذبات في أسواق النفط، فإن الطاقة الاجمالية الفائضة لدول أوبك والتي تقدر بـ 2.64 مليون برميلٍ يومياً تكفي “نظرياً” للحفاظ على توازن الأسواق.
تعاني بعض الدول النفطية من اضطراباتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ، كَلِيبيا التي شهدت مؤخراً هجوماً إرهابياً على حقل الشرارة مما تسبب بخفض إنتاج الحقل من 300 ألف إلى 150 ألف برميل يومياً. والأمر سِيانٌ مع فنزويلا التي تَشهد نقصاً كبيراً في انتاجها بعد أن وصل انتاجها سقف الـ 3 مليون برميل قبل عدة سنوات، مما سيستدعي تعويض الطلب الناجم عن نقص المعروض، والسعودية هي الأقْدرُ على سَدِّ احتياجاتِ الأسواقِ العالميةِ.
ماذا عن النفطِ الصخريِ؟ ألا يَكفي الطلب؟ باختصار لا. على الرغم من أن الصناعة النفطية الأمريكية شهدت نقلةً كبيرةً في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تَعَهَّدَ قبل توليه الرئاسة بتحقيقِ الاكتفاء الذاتي من النفط “Energy Dominance”، حيث قام إِبَّان توليه سُدَّة الحكم بتحرير الكثير من القيود المفروضة على الشركات النفطية الأمريكية وتصدير النفط للخارج، إلا أن أمريكا لم تنجح بَعدُ في تحقيق الهَيمنةِ المنشودةِ، بل إن بعض التقارير تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تفكر بشكلٍ جديٍ في استخدام مخزونها النفطي الاستراتيجي في الفترة القادمة بهدف خفض أسعار النفط.
وختاماً، فإن تقلباتِ سوق النفط وتغيراتِ الطلبِ عليه يشكلان خطراً على نمو الإقتصاد العالمي، كون النفط هو شريان حياة كافة القطاعات الصناعية والاقتصادية عموماً، يستلزم توفر امداداتٍ نفطيةٍ ضخمةٍ. لا يَختلفُ عَاقلانٍ على أن المملكة هي الوحيدة القادرة على توفيرها. فالمملكة اليوم تتحمل مسؤولية الحفاظ على توازن الطلب على النفط، مما يعزز مكانتها وموقعها السياسي والاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال