الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“شركة المحركات البافارية” BMW هي واحدة من أعرق الشركات العالمية لإنتاج السيارات الفارهة عالية الجودة. ابتدأت هذه الشركة كمنتِج لمحركات الطائرات وممول رئيسي لسلاح الجو الألماني، ثم تحولت لإنتاج سيارات BMW إضافة لذلك تمتلك شركة “رولز رويس”، ورجعت لاحقاً لإنتاج محركات الطائرة إضافة للسيارات. ولتتربع على عرش السيارات الفارهة – مع عدد محدود من الشركات العالمية- فقد مرّت برحلة شاقّة خاضت فيها الشركة والبلاد عدة حروب ، شأنها شأن الصناعة الألمانية من حيث الجملة.
ولربما أن الجميع يدرك جودة المنتج الألماني، و الكثير قد يعرف قصة علامة الجودة “صنع في ألمانيا” وكيف كانت بداياتها علامة على رداءة المنتَج، حيث أجبرهم الإنجليز -زمن ما بعد الحرب العالمية – على رقْم منتجاتهم بها؛ لئلا تختلط مع المنتجات الأوروبية عالية الجودة. هذا قبل أن يتمكن الألمان بإرادتهم وإدارتهم من تحويل وسم المنقصة “صنع في ألمانيا” إلى شامة فخر واعتزاز، حتى بلغوا به ليكون مرادفاً لمفردة “الجودة”.
لكن القليل منّا – فيما يبدو- لديه تصوّر عن البيئة القانونية في ألمانيا ومراحل تأهيل المحامي واشتراطات المهنة، كما أني لا أظن أن أحداً يعرف قصة طالب الدكتوراه الألماني الذي جاء لواشنطن لحضور مؤتمر مهم في تخصصه لكنه ضرب بالسمعة الألمانية عرض الحائط، فتخلف عن حضور ما يقارب 30% من ورش العمل الأساسية.
ودونكم ما حصل له ومعه :
قابلته قبل عدة أسابيع في مؤتمر لطلبة دكتوراه القانون من عدة جامعات أمريكية وأوروبية وكندية وغيرها. كان جادّاً في الحضور والنقاش كما هو المتوقع من مثله، لكن افتقدناه في الأسبوع الثاني يومين أو ثلاثة. وفي اليوم الرابع كنّا على طاولة الغداء، مع طالب من هولندا، وآخر من كندا، وثالث من سنغافورة، ورابعٌ قبيحٌ ثقيل النفْس، قد وضع الكيباه على رأسه، فقد كان يهودياً من الكيان الصهيوني، و دار النقاش حينها حول التعليم القانوني والتأهيل المهني في هذه الدول. أثناء النقاش مرّ بنا الفتى البافاري وألقى التحية فقلت “جاء بك الله يا أخا الألمان. أين كنت؟ وتعال حدثنا عن قومك”.
فتبين أنه كان في نهاية الأسبوع في نيويورك وأعجبته المدينة وأنشطتها وحفلاتها التي تمتد لوقت متأخر من الليل –كما يذكر- ولم يجد مثلها في مدينة هادئة ليلاً كواشنطن، فقدّم الدعة على الحزم خلافاً لبني قومه؛ لأنه كما ظهر لاحقاً يبدو وقد يئس أن يصبح محامياً أو تضاءلت فرصته بشكل كبير. و كان من خَبَره أن قال: أما الحصول على رخصة محاماة تؤهلك للترافع أمام المحاكم في ألمانيا فقد يكون “دونها خَرْط القتاد” أو بالألمانية (Ohne es den Wagen der Toten) – كما ترجمها قوقل مشكوراً-.
فرحلة الحصول على رخصة المحاماة تتراوح ما بين 7 و11 عاماً من الدراسة والتدريب والاختبارات، فدراسة الحقوق لمدة خمس سنين يتخللها اختبارات اعتيادية في السنوات الأولى، لكل مادة من المواد الأساسية، واختبار لغة أخرى (انجليزية أو غيرها من اللغات)، ثم تتحول الاختبارات في السنتين الأخيرتين إلى اختبارات تطبيقية على قضايا، يطبق عليها الطالب جميع المواد التي درسها في ذلك الفصل الدراسي ولا يكون اختباراً خاصاً لكل مادة.
والأكثر تعقيداً هنا أنه بعد انهاء الدراسة وبصرف النظر عن المعدل الدراسي فإنه لممارسة الاستشارات القانونية في القطاع الخاص أو الحكومي فعلى الطالب اجتياز اختبار الرخصة الأول والذي يؤهله ليصبح مستشاراً قانونياً، وهذا عادة يحتاج سنة من الإعداد بعد التخرج. لكن لكي يصبح محامياً يترافع أمام المحاكم، فإن هذه مرتبة أعلى تحتاج سنة أخرى من الدراسة ثم سنة ثانية للتدريب، يتنقل فيها بين المحاكم والادعاء العام والتحقيق بالإضافة مكاتب المحاماة وهي نفس المؤهلات المشترطة على القاضي، فمؤهلات مَنْ في المحكمة من المحامين والقضاة واحدة.
وبعد إنهاء هاتين السنتين، يتبقى اختبار الرخصة الثاني، وبلا شك أنه أصعب من الأول ولذلك يتطلب تحضيراً يصل لسنة كاملة أيضاً، وبالتالي يصل مجموع سنوات الدراسة والتحضير المعتاد إلى تسعة أعوام وربما عشرة أو أكثر.
والأسوأ في هذا كله أن نسبة الإخفاق في الاختبار الأول تصل لـ 50%، وتصل إلى 30-35% في الاختبار الثاني.
وثالثة الأثافي على طالب القانون الألماني أنه لا يسمح له بدخول اختبار الرخصة الأول ولا الثاني إلا مرتين لكل اختبار، فإن لم يجتز الاختبار الأول سيضطر لتغيير التخصص أو إكمال الدكتوراه في القانون إن أراد البقاء في التخصص أكاديمياً – بحسب ما أذكر-، أما إن لم يتمكن من اجتياز الاختبار الثاني فيبقى مستشاراً قانونياً لا يحق له الترافع أمام المحاكم أو حتى تقديم استشارة في كل ما يتعلق بالقضايا المنظورة في المحاكم.
نأخذ من هذا – إن شئنا- أن الترافع أمام المحاكم مرتبة ينبغي ألا يبلغها أي مستشار قانوني، كما ينبغي أن يدرك طالب القانون أن دراسته لن تكفي لوحدها ليكون مستشاراً فضلاً عن دخوله دار العدالة محامياً او قاضياً إلا بعد تجاوز عدة مراحل من الفحص والتمييز. فتقدير جيد منخفض أو مقبول، ثم تدريب ثلاثة أعوام و ترافع في تسع أو عشر قضايا يسيرة لا تتجاوز مرافعاتها الجلسة والجلستين ، لن تعطيه رخصة الاستشارات ثم رخصة المحاماة بالشكل المعتاد في سنوات مضت.
بل ينبغي أن يكون أمامه من الاختبارات ما يجعله يتهيأ لها منذ اليوم الأول في دراسته الجامعية، أو على أقل الأحوال أن يعرف من نفسه عدم الاستطاعة فيتجه لمجال أقل خطراً.
وخطوات هيئة المحامين – مشكورة – تَشِي بالكثير من التحديث والتجويد في هذا السياق، وستصل يوماً بالمحامي السعودي للمكانة التي يستحقها هو، و الجودة التي ينتظرها منه الجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال