الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ألا يبدو غريباً أن تزداد معدلات البدانة في العالم في الوقت ذاته الذي تزداد فيه معدلات المجاعة حول العالم ذاته أيضاً؟! إن تهديدات الأمن الغذائي تشكل منحنى خطراً تتجاوز فجوته جميع المحاولات لتوفير الغذاء اعتماداً على الوسائل التقليدية، فتغير النظام الغذائي لدى مختلف الأمم والشعوب وجشع واحتكار الشركات العالمية عابرة القارات، وغياب الرؤية والقدرة الاستراتيجية لدى دول العالم الثالث ذات البيئة الزراعية، وتغيرات المناخ، وهدير الآلة الصناعية التي لم تخجل قط من تلويث التربة والماء والهواء، وربما تراجَع أثر الدور الحمائي لحكومات الدول الإفريقية عن الحفاظ على التوازن البيئي في غاباتها الغنية من بطر هواة الصيد وبائعي الجلود والأنياب، ومصانع الأخشاب، علاوةً على الصراعات الإقليمية والنزاعات المسلحة وما ينشأ عنها من تشريد الملايين من منازلهم وتدمير مزارعهم وتجفيف منابعها وتسمم المحاصيل، كل ذلك يمثل مارداً متوحشاً لا يفتأ يهدد البشر بنقص الغذاء.
وفضلاً عن وجود تلك التهديدات البيئية والاقتصادية والسياسية؛ فإن النمو الطبيعي يمكن أن يشكل بدوره تهديداً إضافياً؛ فوفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة يتعين زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 60% بحلول عام 2050 إذ من المتوقع أن يصل النمو السكاني عالمياً إلى 9 مليار نسمة.
وإزاء كل تلك المخاطر التي تحوم حول الأمن الغذائي كأسراب العقبان الجائعة؛ فإنه لا غنى عن (الابتكار) لتقليص حجم الهوة العميقة بين الاحتياج الغذائي والقدرة الإنتاجية؛ ففي مقالة له بعنوان “الغذاء والابتكار محور الحديث حول تغير المناخ” أشار مارك زورنيس إلى أن (حالات الارتفاع الشديد في درجات الحرارة أو الأيام التي ترتفع فيها درجات الحرارة بمقدار 5° مئوية فقط عن المتوسط، يمكن أن تتسبب في إلحاق ضرر بالغ بكميات إنتاج محاصيل الحبوب الرئيسية، كما يؤثر المناخ أيضاً على التيارات المائية التي تحافظ على دفء المحيط الأطلسي الشمالي، وفي بحث آخر نشره الباحث وي ليو من جامعة ييل، يشير ليو إلى أن التغير المناخي قد يتسبب في الانهيار التام لهذه التيارات).
وقال زورنيس (يؤدي الابتكار التكنولوجي دوراً محورياً في دعم نماذج النمو الأخضر، كما يمكن لهذا الابتكار أن يساعد العالم في التحرك بوتيرة أسرع نحو تحقيق الاستقرار المناخي، ولذا يكرّس العلماء وشركات التقنية جهودهم لدراسة الوسائل الجديدة لإنتاج الغذاء بطريقة أكثر استدامة، وهو ما أسفر عن حدوث تقدّم بالفعل).
وأشار زورنيس إلى الفكرة التي قدّمها كاليب هاربر من مختبر الإعلام التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ووصفها زورنيس بـ(الفكرة الأكثر إلهاماً) حيث يعمل هاربر وفريقه على بناء كمبيوتر لإنتاج الغذاء، وهو نظام جديد مصمم لإنتاج محاصيل زراعية يمكن الاعتماد عليها في أي مكان، يتكون النظام من بيت زجاجي متطور يعتمد على استخدام النظم الروبوتية للتحكم في كلّ من المناخ والطاقة والتعرض للضوء والمواد الغذائية، وفقاً لوصفات محددة مسبقة لزراعة النباتات، وسيتم تعميم هذه الوصفات مجانًا لكل نوع من المحاصيل على منصة رقمية مفتوحة المصدر، ويمكن مشاركتها أو تحسينها بصرف النظر –وهذا هو الأهم- عما إذا كان هذا النظام موجوداً داخل الصحراء أو في القطب الشمالي أو في أي مكان بالعالم.”
رابط المقال:
https://www.worldgovernmentsummit.org/ar/ركن-المعرفة/مركز-المعرفة/ food-and-innovation-at-core-of-climate-change-talks
وقد رفع المؤتمر السنوي لمؤشر الابتكار العالمي في العام 2017 شعار “الابتكار يُطعم العالم” وألقى خلاله برونو لانفان -المدير التنفيذي لمبادرة إنسياد التنافسية الأوروبية (إيسي)- كلمة قال فيها: “لقد بدأنا نشهد البزوغ السريع والعالمي للزراعة الرقمية التي تسخّر طائرات بدون طيار وأجهزة استشعار وروبوتات ميدانية. وتزداد الحاجة إلى الزراعة الذكية من أجل تحسين سلاسل التوريد والتوزيع وتعزيز نماذج إبداعية جديدة تخفف من إفقار التربة واستهلاك الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى”.
هكذا يتسارع العالم من حولنا في ماراثون تقني هائل لسد فجوة النقص الغذائي، وتلافياً لوقوع مجاعة تاريخية تشير لها التوقعات بحلول عام 2050 لا قدر الله، وما لم يجد شبابنا وفتياتنا الدعم الكامل لتمكين الابتكار في القطاع الزراعي فستتسع الفجوة بين السباق العالمي المحموم لتحقيق الوفر الغذائي وواقعنا البيئي الذي يعاني من شح المياه وتضاؤل مساحات الغطاء النباتي وارتفاع درجات الحرارة على معظم المناطق معظمَ أوقات السنة، مع تمدد عمراني يكتسح الأودية والقرى والمحافظات التي كانت إلى عهد قريب واحات زراعية خضراء، ويزيد الأمر سوءاً زهد الأبناء بحرفة الآباء والتفاتهم عن القطاع الزراعي لاتساع رقعة تحدياته وضعف الدعم وقلة حاضنات الأعمال في هذا القطاع وصعوبة المنافسة والتسويق للمنتجات الزراعية وتكاليف النقل والتوزيع وغياب الحماية القانونية لعقود شباب الأعمال مع محلات بيع الفواكه والخضروات ومنافذ بيع التجزئة.
يا سادة: علينا ألا ننسى بأن دعم وتشجيع شباب الأعمال في القطاع الزراعي هو دعمٌ لنا وحماية لأبنائنا من بعدنا.
الأمن الغذائي في آفاق رملية صحرواية غير مطيرة سوى في أوقات محدودة من العام يعد تحدياً كونياً عظيماً، فلندعم مبادرات شباب الأعمال في القطاع الزراعي لنطعم أنفسنا والأجيال من بعدنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال