الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعتبر البطالة واحدة من أكبر الشرور الاجتماعية التي تؤثر على حياتنا هذه الأيام. وتأثيرها الاقتصادي ليس بنفس أهمية تأثيرها الاجتماعي. حيث يعتمد معظم الناس في المجتمع اليوم على الوظائف لكسب رزقهم. لذلك، فإن أي سيناريو اقتصادي يحدث سيؤثر سلبًا على وظائف هؤلاء الملايين من الناس، وسوف يؤثر على نسيج المجتمع برمته. فنحن متأكدون من شيء واحد، وهو أن البطالة شيء سيء وأنه يجب القضاء عليها بأسرع وقت ومكافحتها بالطرق العلمية. لكن هل ينبغي علينا إدارة البطالة على مستوى معين أم ينبغي إزالتها بالكامل من المجتمع؟
ولنكون واضحين فإن وجهة النظر السائدة في العالم هي أن البطالة لا يمكن ولا ينبغي القضاء عليها بالكامل. ينبع هذا المفهوم من حقيقة أن البطالة الصفرية هي هدف غير عملي. وقد اتبع هذا الهدف لعدة عقود من قبل الدول الشيوعية وكانت النتيجة فوضى مطلقة وفوضى اقتصادية. وتشير وجهة النظر الأكثر تحفظًا إلى أن البطالة هي بمثابة منتج ثانوي ضروري للنظام الاقتصادي الحديث. ومع ذلك، يجب أن تدار بكل احترافية وشفافية. والفشل في إدارة البطالة قد يخلق مشاكل وفجوات يصعب حلها بسرعة وأحيانًا قد تحتاج لسنوات.
هذا يقودنا إلى سؤال آخر حول ما هو المستوى الأمثل للبطالة الذي يجب على الحكومة محاولة الحصول عليه؟ الجواب على ذلك ليس سهلاً. لا توجد قاعدة صارمة وسريعة يمكن تطبيقها على جميع الاقتصادات في جميع الأوقات. هناك العديد من المتغيرات التي تلعب دوراً في معدل البطالة. ومن ثم، فإن الاستنتاج المنطقي الوحيد هو مقارنة أداء الاقتصاد مع أداء نظرائه. ستواجه معظم الدول المتقدمة ظروفاً اقتصادية متشابهة، وبالتالي يمكن مقارنة معدلات البطالة بها مع بعضها البعض، ويمكن تطبيق نفس المنطق على البلدان النامية فضلاً عن بلدان العالم الثالث. وبعد ذلك، ووفقًا للنظرية الحديثة، فإن معدل البطالة المثالي ليس هدفًا ثابتًا. بل هو هدف ديناميكي يتغير وفقا للوضع الحالي. بل يمكن تحفيزه من خلال خطة إعادة إنعاش النشاط الاقتصادي وعدم ترك الفجوة تزداد حتى لا يتم الدخول في دوامة مثل ما حدث في “سنوات العقد الضائع” الذي عانى منه اليابانييون.
ولو رجعنا إلى الخلف سنجد أن النظرية الاقتصادية شهدت العديد من المتشددين الذين كانوا مهووسين بفكرة البطالة الصفرية. وكان منطقهم هو وجود اقتصادات لتوفير الاحتياجات البشرية وخدمة البشر. والطريقة الأكبر التي يخدمون بها البشر هي توفير العمالة. ويجب أن تكون البطالة الصفرية هي الهدف الأول (إن لم يكن الوحيد) الذي يدفع عجلة إنشاء السياسة الاقتصادية. وقد وجدت هذه الأفكار رعاية في المجتمعات الشيوعية في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، إذا رأى المرء ما وراء الحجة الأساسية، فإنه سيكون قادر على رؤية عيوب الفكرة بوضوح.
هذا جعل النظام الاقتصادي الحديث لا يحدد البطالة كمصطلح واحد. بل قسمها إلى فئات متعددة، وذلك من أجل فصل البطالة التي تسببها الأسباب الجذرية المختلفة. وفي الوقت نفسه، يجب أن نفهم أن بعض أشكال البطالة طوعية أو مفيدة بالفعل. هذه هي البطالة التي تحدث عندما يحتاج الناس إلى إعادة ترتيب مهاراتهم وأولوياتهم لتلبية احتياجات البيئة الاقتصادية المتغيرة، كما هو حاصل الآن في رؤية السعودية 2030.
وحتى لو تم تعريف أسباب البطالة في السعودية، لن تستطيع الدولة القضاء عليها بشكل فوري. بل هناك مؤثرات يجب التعامل معها ومعالجتها. لكن بكل تأكيد سيكون الحل بالتوسع القوي للاقتصاد، ودعم المشاريع والشركات الكبيرة حتى تتوسع في مشاريعها مع استقطاب افكار صناعية جديدة ننافس بها عالميا. فإحلال المواطن محل الوافد ليس حل يخدم قضية ارتفاع البطالة بالشكل المطلوب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال