الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الباحة من أهم مناطق المملكة الغنية بالغابات إن لم تكن الأهم على الإطلاق ، وتكاد تكون منطقة الباحة المنطقة الوحيدة في المملكة المغطاة بالغابات بالكامل . وهي غنية بأنواع من الأشجار النادرة والمعمرة ، وأهم تلك الأشجار العرعر والعتم والطلح والقرض والسدر والدوم والغار وغيرها الكثير .
لكنها في السنوات الأخيرة فقدت مساحات هائلة جدا من تلك الغابات لأسباب طبيعية ، من قلة الأمطار الموسمية ، وارتفاع درجات الحرارة . وأسباب اقتصادية لهجرة السكان مزارعهم بحثا عن أعمال في مدن ومجالات أخرى ، ولتحويل مساحات كبيرة من المناطق الزراعية إلى مناطق سكنية .
لكن المؤسف بل الجريمة في حق تلك الغابات تم باسم التنمية (السياحية) !!!!!! ، فخلال السنوات القليلة الماضية تم تجريف مساحات كبيرة من غابات المنطقة في جميع محافظاتها دون استثناء من أجل إنشاء وتوسيع المنتزهات السياحية . والمحزن أن تلك الجريمة أوكل تنفيذها إلى عمالة لا تعرف شيئا عن البيئة والتعامل معها ، وكل ما تجيد استخدامه وحوش من المعدات الضخمة التي لا ترى أمامها .
نعم تنمية المناطق السياحية لتصبح مناسبة للسياحة أمر مطلوب وضروري ، لكن أن تتحول غابة مثل غابة رغدان التي تعد أجمل غابات المملكة على الأطلاق إلى شوارع مزدوجة ، وأعمدة كهرباء ، ومواقف سيارات ، ومسارح ، وملاعب أطفال ، وأسواق تجارية تبيع الملابس والعاب الأطفال والأطعمة فهذا عبث وليس تنمية سياحية . حتى الجبل الشرقي من الغابة الذي كان الأشد كثافة بالأشجار فقد معظم أشجاره بسبب تجريفه لتوسيع المنتزه ، وإقامة مخيمات (تجارية) ، وزراعة (أشجار بلاستيكية مضاءة !!!) بدلا عن الأشجار النادرة !!!!!.
وزاد الطين بله أن أغلقت أجزاء كبيرة من الغابة بعد تجريفها وتحويلها إلى مخيمات تجارية استثمارية ، بحيث فقدت الغابة قيمتها الطبيعية البيئية الجميلة ، وتحولت لما يشبه المول المكشوف.
وما حدث في غابة رغدان حدث في غابات أخرى من المنطقة ، كالغوقة (منتزة الأمير متعب بن عبدالعزيز) ، وغابة شكران ببلجرشي الذي تحول إلى (بساط أخضر صناعة صينية) بدل الغابة التي كانت تغطي الجبال ، ولم يبقى من غابة شكران شيء مطلقا ، فقد تحولت إلى طرق ومواقف وملاعب أطفال ، وزرع بها عشرات وربما مئات من أعمدة الكهرباء . وما ذكرته عن غابة رغدان وشِكران والغوقة إلا مثال ، فالعبث طال معظم بل كل غابات المنطقة للأسف.
الغطاء النباتي والغابات تحديدا ثروة قومية في كل بلاد العالم وتتعامل معها الدول المتحضرة على ذلك الأساس ، وعند إنشاء أي مشروع داخل تلك الغابات (للضرورة) يستخدمون مشرط الجراح لتنفيذه حفاظا على سلامة الغابة ، ولا يقام عليها أي مشاريع تتسبب في إتلافها مطلقا ، ويحرصون على زراعة أشجار بدل تلك التي اضطروا لقطعها ، وتظل مفتوحة بالكامل للجميع . فالغابات ليست ضرورة سياحية فقط ، بل تتجاوز أهميتها السياحة بكثير.
كنت وصديقي الشاعر الجميل الدكتور أحمد قران الزهراني في غابة رغدان ، وكان يتحدث عنها بحب وحزن كبيرين ، ويتذكر طفولته مع تلك الغابة حين كان يقطعها نهارا للذهاب للباحة وكأنه في الليل لكثافة أشجارها ، وكيف صارت إلى ما صارت إليه من إشجار بلاستيكية مضاءة (قبيحة) .
حتى لا نظل نبكي على الحليب المسكوب، وننتقل إلى الجانب العملي المفيد أقترح ما يلي:
أولا إخراج جميع المخيمات والأسواق من داخل الغابات وهذا ضروري جدا ، وإزالة ما يمكن إزالته من الطرق والمواقف ، وإزالة جميع أعمدة الكهرباء من داخل الغابات ، والاكتفاء بالأضاءة على جوانب الطرق الرئيسية خارج الغابة .
ثانيا إعادة التربة التي تم تجريفها من الغابات ، والحرص على إعادة الشكل القديم للأرض قدر المستطاع ، فمنظر التجريف قبيح جدا .
ثالثا أن تعمل جميع الجهات الرسمية ذات العلاقة على استزراع الغابات التي تم تجريفها ، والتي تلفت لأسباب أخرى . وأنصح بتأسيس جمعية تطوعية لهذا الغرض ، فالغيورين على تلك الغابات كثيرون جدا ومنهم المختصين وأصحاب الخبرات ، وذوي المال المستعدون للمساهمة لرؤية تلك الغابات كما كانت في السابق .
رابعا تحويل السياحة في جميع الغابات إلى سياحة نهارية فقط ، وإغلاقها في الليل ، ونقل جميع الأنشطة والفعاليات الليلية إلى أماكن أخرى ، وهي كثيرة جدا . وفي هذا الجانب يجب منع كل الأنشطة التي تسبب ضرر للغابات مثل إشعال النار والطبخ بكافة أنواعه ، والألعاب التي تتسبب في إتلاف الأشجار وتجريف التربة . والاكتفاء بالجلسات والاستمتاع بالمناظر الطبيعية والأجواء الجميلة ، وما يتم احضاره من مأكولات ومشروبات .
خامسا لابد من تشديد الغرامات على من يتسبب في إتلاف الغابات وتشويهها بأي شكل من الأشكال ، مع وضع قوانين واضحة ، ونشرها على جميع المتنزهين.
أخيرا أتمنى أن يتم إنشاء هيئة عليا للحفاظ على غابات منطقة الباحة والغطاء النباتي فيها والمناطق الزراعية خصوصا أشجار الفواكه الموسمية التي تشتهر بها المنطقة ، بإدارة وزارة الزراعة وعضوية وزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وأمارة منطقة الباحة .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال