الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعيدا عن إشكاليات التسعير، تشدني التطورات في سوق الألبان السعودية دائما، (صناعة الحليب الألبان)، وأتابع مساراتها، ومشاريعها، واندماجاتها، ربما بحكم العمل والتخصص، وربما أيضا إعجابا بهذا القطاع الذي يشكل قصة تنموية فريدة تستحق أن تروى.
من هم في العقد الرابع حاليا، يتذكرون بالتأكيد أن أغلب المنازل السعودية كان بجوارها حضيرة أغنام، وفي بعض المناطق يوجد في أغلب المنازل بقرة أو اثنتين. هكذا كان أهلنا يحصولون على الحليب واللبن، بطريقة تقليدية، حيث كانت عرضة للتسمم، بسبب بدائية طرق التصنيع اليدوية، وسائل الحفظ آنذاك، ونتذكر كثيرا من قصص تسمم الألبان والضرر الذي طال متناوليها، لكنها الحاجة، إذا لم يمكن متاحا غير ذلك.
شيئا فشيئا، بدأت بعض مصانع الألبان في الظهور. وأتذكر جيدا أنها كانت توزع سلعتها بسيارة في الشوارع، حيث يقف الناس ينتظرون وصول سيارة التوزيع عصر كل يوم، للحصول على الحليب أو اللبن الذي يوزع بكيس (نايلون) أبيض. في السنوات التالية، ظهرت شركات أخرى كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وبدأت منتجات اللبن والحليب تدخل الأسواق بعبوات كرتونية، ثم في مرحلة تالية وصلت فيها المملكة إلى مرحلة متقدمة جدا تصل إلى الاكتفاء الذاتي، خاصة في المنتجات الطازجة.
خلال هذه المرحلة مرت الصناعة بظروف عديدة، سواء في تراجع الأسعار التي أوجدت مايشبه حروب الأسعار، والتي تسبب في إغلاق كثير من المشاريع، أو في الظروف الأخرى على صعيد العمالة، والتطورات في القطاع الزراعي والإنتاجي، لكن السوق في النهاية استطاعت أن تخرج بتجربة ثرية جدا، جعلت من القطاع مصدرا غذائيا موثوقا.
أستطيع أن أقول بكل حيادية أن شركات الألبان (الموجودة حاليا) قد ساهمت بشكل كبير خلال الخمس وعشرون عاما الماضية، في تشكيل ثقافة غذائية جديدة، وأن تكون منتجاتها عنصرا أساسيا على السفرة، وتنفرد بميزة قل مثيلها في الدخول لكل منزل بكل يسر وسهولة، وهذا عائد بالتأكيد إلى عنصر الجودة، والدقة في اختيار المنتجات، والعمل المستمر على التطوير والأبحاث، وإدخال أحدث عناصر الصناعات العالمية فيها.
هل نعتبر الوصول إلى هذه المرحلة ميزة؟بالتأكيد نعم، فصناعة قطاع منافس خلال 40 سنة فقط (فترة قصيرة جدا في عمر التنمية)، وبمعدلات إنتاج كبيرة جدا، وجودة عالية أغلقت الباب أمام المستورد، وظروف جوية قاسية، خاصة في فصل الصيف حيث تحتاج قطعان الأبقار إلى مساعدة كبيرة للإدرار، هو بالتأكيد مصدرة فخر واعتزاز، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار حجم ومساحة المملكة المترامية الأطراف، ووصول تشكيلة المنتجات المتنوعة والطازجة من الحليب واللبن والعصائر والأجبان، إلى كل قرية ومدينة في المملكة كل صباح. أمر آخر لابد الإشارة إليه وهو أن هذا القطاع من أكبر القطاعات الاقتصادية توظيفا للعمالة المحلية، ويمكن ان يستوعب أعدادا أكبر مستقبلا، خاصة فيما لو تم التوجه لتوطين قطاعات التوزيع.
لذلك أجيب عن سؤال العنوان: إن وجود قطاع ألبان محلي متطور، هو بالتأكيد أحد معايير ومؤشرات التطور في البلاد، ودلالة على النجاح في بناء منظومة غذائية تساهم في تحسين المستوى الصحي والاقتصادي للسكان، لذلك فإن المحافظة على هذا القطاع ودعمه بكل الطرق المتاحة أمرا لابد منه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال